العبدين بسكون الباء وهي تخفيف قراءة السلمي ، فأصلها بالكسر.
قال ابن عرفة : يقال : عبد بالكسر ـ يعبد ـ بالفتح ـ فهو عبد. وقلّ ما يقال : عابد والقرآن لا يجيء على القليل أو الشاذ (١) يعني تخريج من قال : إن العابدين بمعنى الأنفين (٢) لا يصح ، ثم قال كقول مجاهد (٣). وقال الفرزدق :
٤٤٢٠ ـ أولئك آبائي فجئني بمثلهم |
|
وأعبد أن أهجو كليبا بدارم (٤) |
وقال آخر :
٤٤٢١ ـ متى ما يشأ ذو الودّ يصرم خليله |
|
ويعبد عليه لا محالة ظالما (٥) |
قال ابن الخطيب : وهذا التعليق أيضا فاسد ؛ لأن هذه الأنفة سواء حصل ذلك الزعم والاعتقاد أو لم يحصل (٦).
وقال أبو عبيدة : معناه الجاحدين ، يقال : عبدني حقّي (٧) ، أي جحدنيه. وقال أبو حاتم : العبد ـ بكسر الباء ـ الشديد الغضب (٨) ، وهو معنى حسن ، أي إن كان له ولد على زعمكم فأنا أول من يغضب لذلك.
وقيل : «إن» نافية ؛ أي ما كان ثم أخبر بقوله : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له وتكون الفاء سببية (٩). ومنع مكي أن تكون نافية. قال : «لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما مضى دون ما هو آت ، وهذا محال» (١٠). ورد عليه بأن
__________________
(١) البحر المحيط ٨ / ٢٨ والقرطبي ١٦ / ١٢٠.
(٢) وهو ابن عباس انظر المحتسب ٢ / ٢٥٨.
(٣) يعني أول من عبده وحده على أنه لا ولد له انظر القرطبي المرجع السابق.
(٤) ورد البيت بروايات مختلفة فالرواية الأعلى هي رواية أبي حيان في البحر ٨ / ٢٨ والدر المصون ٤ / ٨٠٣ وهو من الطويل له وفي رواية القرطبي: أولئك أجلاس ، و : أولئك ناس إن هجوني هجوتهم .. وأعبد أن يهجى كليب ، وفي المجاز : أولئك قوم إن هجوني وأعبد أن أهجو عبيدا. ورواية اللسان كالمجاز وفي المحتسب تهجى كليب والبيت على اختلاف تلك الروايات ليس بالديوان بالمرة. وشاهده : أن أعبد بمعنى آنف وانظر المجاز ٢ / ٢٠٦ والقرطبي ١٦ / ١٢٠ والدر المصون ٤ / ٨٠٣ واللسان (عبد) والمحتسب ٢ / ٢٥٨ والمفضليات ٥٠٢.
(٥) من الطويل للمرقش الأصغر ، من قصيدة له رواه صاحب المفضليات ٥٠٢ وانظر الدر المصون ٤ / ٨٠٤ ، والطبري ٢٥ / ٦١. والشاهد : يعبد فإن معناها يغضب.
(٦) التفسير الكبير له ٢٧ / ٢٣١.
(٧) قال : «أي الكافرين بذلك ، والجاحدين لما قلتم وهي عبد يعبد عبدا» المجاز ٢ / ٢٠٧.
(٨) البحر المحيط ٨ / ٢٨.
(٩) نقل هذا القول وأقوالا أخر ابن جني في المحتسب ٢ / ٢٥٨ والقرطبي في الجامع ١٦ / ١٢١٩ عن الحسن والسدي وابن عباس وانظر البيان ٢ / ٣٥٥.
(١٠) لم أعثر لمكي على هذا القول الذي أتى به المؤلف الذي نقله عن أبي حيان ، فقد جعل مكي «ما» ـ