ويجوز أن يكون «أنى» منصوبا على الظرف بالاستقرار في لهم ، فإن «لهم» وقع خبرا لذكرى(١).
قوله : (وَقَدْ جاءَهُمْ) حال من «لهم» والمعنى كيف يتعظون أي من أين لهم التذكرة والاتّعاظ وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الطاعة ، وهو (رَسُولٌ مُبِينٌ) ظاهر الصدق يعني محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وما ظهر عليه من المعجزات ، (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) أعرضوا عنه ، ولم يلتفتوا إليه (وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) وذلك أن كفار مكة منهم من كان يقول : إن محمدا يتعلم هذه الكلمات من بعض الناس ، ولقولهم : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) [النحل : ١٠٣] وقوله : (وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) [الفرقان : ٤] ومنهم من كان يقول : إنه مجنون ، والجن يلقون عليه هذه الكلمات حال ما يعرض له الغشي (٢). وقرأ زيد بن علي معلم بكسر اللام (٣) قوله : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً) أي عذاب الجوع : «قليلا» نعت لزمان ، أو المصدر محذوف(٤) أي كشفوا قليلا ، أو زمانا قليلا ، يعني يسيرا (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) أي كما نكشف العذاب عنكم تعودون في الحال إلى ما كنتم عليه من الشرك (٥).
قوله : (يَوْمَ نَبْطِشُ) قيل : هو بدل من (يَوْمَ تَأْتِي). وقيل : منصوب بإضمار اذكر. وقيل : ب «منتقمون». وقيل : بما دل عليه : «منتقمون» وهو ينتقم (٦). وردّ هذان بأن ما بعد «لا» لا يعمل فيما قبلها ، ولأنه لا يفسر إلا ما يصحّ أن يعمل (٧). وقرأ العامة بفتح نون «نبطش» وكسر الطاء أي نبطش بهم. وقرأ الحسن وأبو جعفر بضم الطاء وهي لغة في مضارع «بطش» (٨). والحسن أيضا ، وأبو رجاء وطلحة بضم النون وكسر الطاء (٩). وهو منقول من «أبطش» أي نبطش بهم الملائكة والبطشة على هذا يجوز أن تكون منصوبة بنبطش على حذف الزائد. نحو : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(١٠) [نوح : ١٧] وأن تنتصب
__________________
(١) التبيان ١١٤٥.
(٢) انظر الرازي ٢٧ / ٢٤٣ و ٢٤٤.
(٣) ذكر ذلك السمين في الدر المصون ٤ / ٨٠٢ بينما نسبها أبو حيان في البحر المحيط إلى زرّ بن حبيش انظر البحر ٨ / ٣٤.
(٤) كان من الأولى أن يعبر : نعت لزمان أو لمصدر محذوفين أي زمانا قليلا أو كشفا قليلا.
(٥) قاله الرازي في مرجعه السابق.
(٦) انظر التبيان ١١٤٦ والبيان ٢ / ٣٥٨.
(٧) قاله الزمخشري قال : «ولا يصح أن ينتصب بمنتقمون لأن أن تحجب عن ذلك» الكشاف ٢ / ٥٠٢.
(٨) مختصر ابن خالويه ١٣٧ وروي عنه أيضا : يبطش بالياء مبنيّا للمجهول.
(٩) الكشاف ٣ / ٥٠٢ وقد ذكر أيضا الكشاف القراءة السابقة وانظر تلك القراءة أيضا في المحتسب ٢ / ٢٦٠.
(١٠) فنباتا منصوب بأنبتكم وكان القياس : إنباتا لأنه مصدر فعل رباعي ولما كان نبت وأنبت واحدا جاز ، هذا قول وذهب آخرون إلى أنّ هذا المصدر منصوب بفعل محذوف وهو مذهب سيبويه ، والأول مذهب المبرد والسّيرافي انظر شرح المفصل لابن يعيش ١ / ١١٢.