تعالى دعاءه وأمره أن يسري فقال : (فَأَسْرِ بِعِبادِي) أي بني إسرائيل (لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أي يتبعكم فرعون وقومه وذلك بسبب هلاكهم.
قوله : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) يجوز أن يكون «رهوا» مفعولا ثانيا ، على أن ترك بمعنى
صيّر (١) وأن يكون حالا على أنها ليست بمعناها (٢). والرهو : قيل : السكون (٣) ، فالمعنى اتركه ساكنا ، يقال رها ، يرهو ، رهوا ، ومنه : جاءت الخيل رهوا. قال النابغة :
٤٤٢٤ ـ والخيل تمرح رهوا في أعنّتها |
|
كالطّير ينجو من الشّؤبوب ذي البرد (٤) |
ورها يرهو في سيره أي رفق ، قال القطاميّ :
٤٤٢٥ ـ يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة |
|
ولا الصّدور على الأعجاز تتّكل (٥) |
وعن أبي عبيدة : رهوا أي اتركه منفتحا فرجا على ما تركته (٦).
روي أنه لما انفلق البحر لموسى ، وطلع منه خاف أن يتبعه فرعون فأراد أن يضربه ليعود حتى لا يلحقوه ، فأمر أن يتركه فرجا. وأصله من قولهم : رها الرّجل يرهو رهوا فتح ما بين رجليه (قال مقاتل (٧) : اترك البحر رهوا أي راهيا يعني ساكنا. فأصل الرهو السكون ، فسمي بالمصدر أي ذا رهو. وقال كعب : اترك طريقا يابسا). والرّهو والرّهوة المكان المرتفع أو المنخفض يجتمع فيه الماء فهو من الأضداد. والرهوة المرأة الواسعة الهن. والرهو طائر يقال له الكركيّ (٨).
__________________
ـ «وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ» فجاء القرآن باللغتين حيث قال : «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى» وانظر تفصيل هذا في لسان العرب (سرى) ٢٠٠٣.
(١) التبيان ١١٤٦.
(٢) السابق والبيان ٢ / ٣٥٩ وانظر فيهما معا الدر ٤ / ٨١٤.
(٣) وقد أثر عن قتادة ومجاهد في رواية عنه انظر الغريب ٤٠٢ ، والمجاز ٢ / ٢٠٨.
(٤) من البسيط له كما في الديوان وروايته : والخيل تمزع غربا في أعنتها أي تسرع في حدة ونشاط ، ورواية تمرح كما في البحر المحيط وعلى رواية الديوان لا شاهد ؛ حيث أن شاهد البيت رهوا على أن الرهو هو السكون والشؤبوب شدّة المطر. والمعنى على هذا لا يستقيم إن كانت رهو معناها السير الهادىء. وانظر البيت في الديوان ٢٣ والقرطبي ١٦ / ١٣٧ والبحر المحيط ٨ / ٣١ والمفضليات ٢٩٩ وفتح القدير ٤ / ٥٧٤ والدر المصون ٤ / ٨١٤.
(٥) من البسيط أيضا له كما في البحر والقرطبي والدر المصون وهو غير منسوب في اللسان رها ١٧٥٩ ، ونسب في الكشاف إلى الأعشى وهو المخالف حينئذ. والشاهد في «رهوا» فإنه بمعنى الساكن الهادىء الهين وانظر الديوان ٤ والقرطبي ١٦ / ١٣٧ والكشاف ٣ / ٥٠٣ وشرح شواهد الكشاف ٤ / ٥٠٢ بنسبته للقطامي ومجمع البيان ٩ / ٩٦ وديوان المفضليات ٥٥٢ ، ٦٣٢.
(٦) كذا قال السمين عنه والذي في المجاز : «ساكنا يقال : اره على نفسك أي ارفق بها» المجاز ٢ / ٢٠٨.
(٧) ما بين القوسين كله سقط من ب وانظر القرطبي ١٦ / ١٣٧.
(٨) حكى كل هذه الأقوال ابن منظور في اللسان «رها» ١٧٥٨ و ٥٩ و ٦٠ و ٦١ وفيه الاستزادة من معان أخرى أيضا. وانظر أيضا الحيوان للجاحظ ٥ / ١٤٩ و ٤١٩.