وقيل : إن العادة جرت بأن يقولوا في هلاك الرجل العظيم الشأن إنه أظلمات له الدنيا ، وكسفت الشمس والقمر لأجله ، وبكت السماء والريح والأرض. يريدون المبالغة في تعظيم تلك المصيبة لا نفس هذا الكتاب (١). وقال الزمخشري : ذكر هذا على سبيل السخرية بهم (٢) يعني أنهم كانوا يستعظمون أنفسهم ويعتقدون أنهم لو ماتوا لبكت عليهم السماء والأرض ، ولم يكونوا بهذا الحدّ ، بل كانوا دون ذلك ، فذكر هذا تهكما بهم (٣). وقال عطاء : بكاء السماء حمرة أطرافها. وقال السدي : لما قتل الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ بكت عليه السماء وبكاؤها حمرتها (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) أي لما جاء وقت هلاكهم لم ينظروا إلى وقت آخر لتوبة وتدارك تقصير.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) وهو قتل الأبناء واستحياء النساء والتعب في العمل. واعلم أن رفع الضرر مقدم على إيصال النفع ، فبدأ تعالى ببيان رفع الضرر عنهم فقال : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ).
قوله : (مِنْ فِرْعَوْنَ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه بدل من «العذاب» ، إمّا على حذف مضاف ، أي من عذاب فرعون ، وإما على المبالغة جعل نفس العذاب ، فأبدله منه.
والثاني : أنه حال من العذاب تقديره : صادرا من فرعون (٤). وقرأ عبد الله : من عذاب المهين (٥) ، وهي من إضافة الموصوف لصفته ، إذ الأصل : العذاب المهين كالقراءة المشهورة. وقرأ ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٦) ـ من فرعون؟ بفتح ميم «من» (٧) ورفع فرعون على الابتداء والخبر ، وهو استفهام تحقير ، كقولك : من أنت وزيدا (٨)؟ ثم بين حاله بالجملة بعد في قوله : (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ). والتقدير : هل تعرفون من هو في عتوه وشيطنته؟ ثم عرف حاله بقوله : (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) أي كان عالي الدرجة في طبقة المسرفين ، ويجوز أن يكون المراد إنه كان عاليا كقوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٤] وكان أيضا مسرفا ومن إسرافه أنه كان على حقارته وخسته
__________________
(١) كذا كتبها ناسخ المخطوط وفي الرازي : الكذب ٢٧ / ٢٤٦ و ٢٤٧.
(٢) الكشاف ٣ / ٥٠٤.
(٣) الرازي السابق.
(٤) الدر المصون ٤ / ٨١٦.
(٥) في أمهين والتصحيح من ب وانظر في هذه القراءة الكشاف ٣ / ٥٠٤ ومختصر ابن خالويه ١٣٨ وهي شاذة.
(٦) زيادة من أ.
(٧) من شواذ القراءات انظر الكشاف ٣ / ٥٠٤ والبحر المحيط ٨ / ٣٧.
(٨) كذا في النسختين : وزيدا بالنصب والأصح : زيد رفعا.