حال من الضمير المستتر في الجار أي منهما المهل غاليا. وجوز أبو البقاء أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي هو يغلي (١) ، أي الزقوم أو الطعام. والباقون (٢) تغلي بالتاء من فوق ، على أن الفاعل ضمير الشجرة (٣) والجملة خبر ثان أو حال على رأي ، أو خبر مبتدأ مضمر ، أي هي تغلي (٤) (واختار (٥) أبو عبيد الياء ؛ لأن الاسم المذكور الذي هو المهل هو الذي يلي الفعل نعتا ، والتذكير به أولى). قوله : (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) نعت لمصدر محذوف أو حال من ضميره أي تغلي غليا مثل غلي الحميم أو تغلية مشبها غلي الحميم (٦). قال ابن الخطيب : واعلم أنه لا يجوز أن يحمل الغلي على المهل ؛ لأن المهل مشبّه به ، وإنما يغلي ما يشبه بالمهل كغلي الحميم ، وهو الماء إذا اشتدت حرارته (٧).
قوله : (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) قرأ نافع وابن كثير وابن عامر بضم تاء اعتلوه (٨) والباقون بكسرها وهما لغتان في مضارع «عتله» أي ساقه بجفاء ، وغلظة ، كعرش ، يعرش ، ويعرش. والعتلّ : الجافي الغليظ قالت اللّيث : العتل أن تأخذ تلبيب الرجل فتقتله ، أي تجرّه إليك ، وتذهب به إلى حبس أو محنة. وأخذ فلان بزمام الناقة يعتلها ، وذلك إذا قبض على أصل الزّمام عند الرأس ، وقادها قودا عنيفا (وقال ابن (٩) السّكّيت (١٠) : عتلته إلى السّجن وأعتلته إذا دفعته دفعا عنيفا) (١١).
قوله : (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) أي إلى وسط الجحيم ، ومعنى الآية : أنه يقال للزبانية : خذوه أي الأثيم فاعتلوه ، أي سوقوه بعنف إلى وسط الجحيم ، (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) ، كقوله تعالى : (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) [الحج : ١٩] إلا أنّ هذه الاستعارة أكمل في المبالغة كأنه يقول : صبوا عليه عذاب ذلك الحميم ونظيره قوله : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) [الأعراف : ١٢٦].
__________________
(١) التبيان السابق.
(٢) عاصم وابن عامر وأبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي انظر السبعة ٥٩٢.
(٣) البيان ٢ / ٣٦٠ ومعاني الفراء ٣ / ٤٣ والكشاف ٣ / ٥٠٦.
(٤) التبيان المرجع السابق.
(٥) ما بين القوسين سقط كله من ب وانظر الرازي ٢٧ / ٢٥٣.
(٦) انظر هذا الإعراب في الدر المصون ٤ / ٨١٩.
(٧) الرازي ٢٧ / ٢٥١.
(٨) ويقصد عين الفعل وإلا كان تحريفا وانظر السبعة ٥٩٢ و ٥٩٣ ومعاني القرآن ٣ / ٤٣.
(٩) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٠) أبو يوسف بن السكيت يعقوب بن السكيت كان من أكابر أهل اللّغة ، أخذ عن أبي عمرو الشّيبانيّ والفرّاء وابن الأعرابي وعنه أبو سعيد السكريّ ، وأبو عكرمة الضبي وغيرهما مات سنة ٢٤٣ وقيل سنة ٢٤٦ انظر نزهة الألباء ١٢٣.
(١١) وانظر هذا كله في اللسان ٢٨٠١ وعبارته : عتلته إلى السّجن وعتنته أعتله وأعتله وأعتنه وأعتنه.