يدخل الفساق في هذا الوعد فقال : في مقام أمين (١). قرأ أهل المدينة (٢) والشام بضمّ ميم «مقام» على المصدر ، أي في إقامة وقرأ الباقون بفتح الميم أي في مجلس أمنين آمنوا فيه من الغير (٣). قال الزمخشري (المقام) ـ بفتح الميم ـ هو موضع القيام والمراد المكان وهو من الخاص الذي جعل مستعملا في المعنى العام وبالضم هو موضع الإقامة ، والأمين من قولك : أمن الرّجل أمانة فهو أمين وهو ضد الخائن. فوصف به المكان استعارة ؛ لأن المكان المخيف كأنه يخون صاحبه(٤).
قوله : (فِي جَنَّاتٍ) يجوز أن يكون بدلا من قوله : (فِي مَقامٍ) بتكرير العامل ، ويجوز أن يكون خبرا ثانيا وقوله : «يلبسون» يجوز أن يكون حالا من الضمير المستكن في الجارّ ، وأن يكون خبرا ل «إنّ» فيتعلّق الجار به ، وأن يكون مستأنفا.
قوله : «متقابلين» حال من فاعل «يلبسون» (٥). وتقدم تفسير السّندس والإستبرق والمقام.
قوله : «كذلك» في هذه الكاف وجهان :
أحدهما : النصب نعتا لمصدر ، أي نفعل بالمتقين فعلا كذلك أي مثل ذلك الفعل.
والثاني : الرفع على خبر ابتداء مضمر أي الأمر كذلك (٦).
وقدر أبو البقاء قبله جملة فقال : «تقديره : فعلنا ذلك ، والأمر كذلك» (٧) ، ولا حاجة إليه. والوقف على «كذلك» والابتداء بقوله : وزوّجناهم.
قوله : (بِحُورٍ عِينٍ) العامة على تنوين «حور» موصوفا «بعين». وعكرمة لم ينوّن (٨) ، أضافهن لأنهن ينقسمن إلى «عين» وغير «عين». وتقدم تفسير الحور العين.
فإن قيل : المراد بجلوسهم متقابلين استئناس بعضهم ببعض ، والجلوس على هذه الصّفة موحش لأنه يكون كل واحد منهم مطلعا على ما يفعل الآخر ، وأيضا فالقليل الثواب إذا اطلع على حال من يكثر ثوابه ينغص (٩) عليه!
فالجواب : أن أحوال الآخرة بخلاف أحوال الدنيا.
__________________
(١) السابق.
(٢) وهم نافع وابن عامر ، وأبو جعفر والأعمش.
(٣) انظر الإتحاف ٣٨٩ والرازي ٢٧ / ٢٥٣ والكشاف ٣ / ٥٠٧.
(٤) المراجع السابقة.
(٥) انظر هذه الإعرابات في التبيان ١١٤٦ و ١١٤٧ والدر المصون ٤ / ٨٢٠ والبيان ٢ / ٣٦١.
(٦) الدر المصون ٤ / ٨٢٠ والكشاف ٣ / ٥٠٧.
(٧) التبيان ١١٤٧.
(٨) قراءة شاذة غير متواترة انظر المحتسب ٢ / ٢٦١ ، والكشاف ٣ / ٥٠٧ ، والدر المصون ٤ / ٨٢٠.
(٩) في ب يبغض.