فحذرهم الله من مثل ذلك وقال (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) أي لما نزل العذاب بهم لم يجدوا معينا يخلصهم (١).
قوله «فينظروا» يجوز أن يكون منصوبا في جواب الاستفهام ، وأن يكون مجزوما نسقا على ما قبله (٢) كقوله :
٤٣٣١ ـ ألم تسأل فتخبرك الرّسوم |
|
...........(٣) |
رواه بعضهم بالجزم ، والنصب (٤).
قوله (مِنْهُمْ قُوَّةً) قرأ ابن عامر «منكم» على سبيل الالتفات (٥) ، وكذلك هو في مصاحفهم ، والباقون «منهم» بضمير الغيبة جريا على ما سبق من الضمائر الغائبة.
قوله : «وآثارا» عطف على «قوة» وهو في قوة قوله «وتنحتون (مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ)(٦). وجعله الزمخشري منصوبا بمقدر ، قال : أو أراد أكثر آثارا (٧) كقوله : «متقلّدا سيفا ورمحا» (٨) (يعني ومعتقلا رمحا) (٩). ولا حاجة إلى هذا مع الاستغناء عنه.
قوله «ذلك» أي ذلك العذاب الذي نزل بهم (بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) وهذا مبالغة في التخويف والتحذير.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ
__________________
(١) انظر الرازي ٢٧ / ٥٣ و ٥٢.
(٢) قال ذلك ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٣٠.
(٣) من شواهد إمام النحاة الخمسين وهو صدر بيت من تمام الوافر عجزه : على فرتاج والطلل القديم.
وفرتاج : اسم موضع وشاهده : «فتخبرك» حيث يجوز فيها الجزم والنصب الجزم نسقا على ما قبله والنصب على تقدير أن بعد فاء السببية بعد طلب وهو الاستفهام. انظر الكتاب ٣ / ٣٤ ، والبحر ٧ / ٤٥٧ واللسان فرتج ، والتّبصرة للصيمري ٤٠٢ ، والرد على النحاة لابن مضاء ١١٧.
(٤) في ب بالنصب والجزم.
(٥) الإتحاف ٣٧٨ والسبعة ٥٦٩ والنشر ٢ / ٣٦٥ وهي متواترة.
(٦) إن كان يقصد آية الشعراء ٤٩ فهي «وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ» وإن كان يقصد آية الحجر ٨٢ فهي«وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ» وإلا فقد لفق بين آيتين.
(٧) الكشاف ٣ / ٤٢٢.
(٨) سبق الكلام عليه.
(٩) زيادة من الدر المصون ٤ / ٦٨٧.