وقع بعد الحسبان «أن» الناصبة ، فهي سادّة مسدّ المفعولين فمن أين يكون «سواء» مفعولا ثانيا لحسب؟!
فإن قلت : هذا الذي قلته رأي الجمهور ، سيبويه وغيره ، وأما غيرهم كالأخفش فيدّعي أنها تسد مسدّ واحد (١). وإذا تقرر هذا فقد يجوز أن أبا البقاء ذهب هذا المذهب فأعرب (أَنْ نَجْعَلَهُمْ) مفعولا أول (ل «حسب (٢)») و «سواء» مفعولا ثانيا.
فالجواب : أن الأخفش صرح بأن المفعول الثاني حينئذ يكون محذوفا ، ولئن سلمنا أنه لا يحذف امتنع من وجه آخر وهو أنه قد رفع به (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) لأنه بمعنى مستو كما تقدم ، ولا ضمير يرجع من مرفوعه إلى المفعول الأول بل رفع أجنبيّا من المفعول الأول وهو نظير : حسبت قيامك مستويا ذهابك وعدمه (٣).
ومن قرأ بالرفع فيحتمل قراءته وجهين :
أحدهما : أن يكون «سواء» خبرا (٤) مقدما ، و «محياهم» مبتدأ مؤخرا (٥) ، ويكون «سواء» مبتدأ و «محياهم» خبره كذا أعربوه (٦). وفيه نظر تقدم في سورة الحج (٧) ، وهو أنه نكرة لا مسوغ فيها وأنه متى اجتمع معرفة ونكرة جعلت النكرة خبرا لا مبتدأ (٨).
ثم في هذه الجملة ثلاثة أوجه :
__________________
(١) قال السيوطي في الهمع ١ / ١٥١ ، ١٥٢ «تسد عن المفعولين في هذا الباب «أنّ» المشددة ومعمولاها نحو : ظننت أنّ زيدا قائم ، واعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير ، وإن كانت بتقدير اسم مفرد للطول ، ولجريان الجهر ، والمخبر عنه بالذكر في الصلة ثم لا حذف فيه عند سيبويه وذهب الأخفش والمبرّد إلى أن الخبر محذوف والتقدير : أظنّ زيدا قائم ثابت أو مستقر وكذا يسد عنهما إن وصلتها نحو : أحسب الناس أن يتركوا لتضمن مسند ومسند إليه مصرح بهما في الصلة الثانية».
(٢) سقط من ب.
(٣) انظر الدر المصون ٤ / ٨٣٦.
(٤) في ب «غير» بدل خبر. تحريف وفي أخبر مقدم رفعا والأصح تقعيدا ما أثبته.
(٥) قاله في مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٩٦ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٦٥ وأبو البقاء في التبيان ١١٥٢ ومفهوم كلام الزمخشري في الكشاف ٣ / ٥١٢.
(٦) قاله النحاس في الإعراب ٤ / ١٤٦ وهو رأي الخليل وسيبويه فيما ذكره النحاس والزجاج. انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤٣٣.
(٧) في الآية السابقة الذكر وهي : «سواء العاكف فيه والباد».
(٨) هذا إطلاق من المؤلف فكلامه يستثنى منه صورتان الأولى : نحو : كم مالك؟ فإن «كم» مبتدأ وهي نكرة وما بعدها معرفة لأن أكثر ما يقع بعد أسماء الاستفهام النكرة والجمل والظروف ، ويتعين إذ ذاك كون اسم الاستفهام مبتدأ نحو : من قائم؟ ومن قام؟ ومن عندك؟ فحكم على «كم» بالابتداء حملا للأول على الأكثر. الثانية : أفعل التفضيل نحو : خير منك زيد ، وتوجيهه ما تقدم في «كم».
وغير سيبويه يجعل المعرفة في الصورتين المبتدأ جريا على القاعدة. وقال ابن هشام : يتحد عندي جواز الوجهين إعمالا للدليلين. انظر الهمع ١ / ١٠٠.