في الآخرة (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي جزاؤها «وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون» وهذا كالدليل على أن هذه الفرقة لما قالوا : إن نظنّ إلّا ظنا إنما ذكروه استهزاء وسخرية ، وعلى هذا الوجه فصار ذلك أول خسرانهم ، فهذا الفريق أسوأ من الفريق الأول ، لأن الأولين كانوا منكرين ، وما كانوا مستهزئين وهؤلاء ضموا إلى الإصرار على الإنكار الاستهزاء.
قوله : (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) أي نترككم في العذاب ، كما تركتم الإيمان والعمل ولقاء هذا اليوم. وقيل : نجعلكم بمنزلة الشيء المنسي غير المبالى به ، كما لم تبالوا أنتم بلقاء يومكم هذا ولم تلتفتوا إليه (١).
قوله : (لِقاءَ يَوْمِكُمْ) هذا من التوسع في الظرف ، حيث أضاف إليه ما هو واقع فيه ، كقوله : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣].
قوله : (وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) فجمع الله عليهم من وجوه العذاب ، ثلاثة أشياء ، قطع الرحمة عنهم ، وصيّر مأواهم النار ، وعدم الأنصار ، ثم بين تعالى أن يقال لهم : إنما صرتم مستحقين لهذه الوجوه الثلاثة من العذاب ، لأنكم أتيتم ثلاثة أنواع من الأعمال القبيحة ، وهي الإصرار على إنكار الدين الحق والاستهزاء به ، والسخرية والاستغراق في حب الدنيا ، وهو المراد بقوله تعالى : (ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا)(٢).
قوله : (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) تقدم الخلاف في قوله : (لا يُخْرَجُونَ مِنْها) في أول الأعراف (٣) ، وأن حمزة والكسائيّ قرءا بفتح الياء وضم الراء ، والباقون بضم الياء وفتح الراء (٤). (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الله ، لأنه لا يقبل في ذلك اليوم عذر ولا توبة (٥) قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قرأ العامة «ربّ» في الثلاثة بالجر تبعا للجلالة ، بيانا ، أو بدلا ، أو نعتا ، وابن محيصن برفع الثلاثة على المدح بإضمار (٦) «هو».
قوله : (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ) يجوز أن يكون (فِي السَّماواتِ) متعلقا بمحذوف حالا من «الكبرياء» وأن يتعلق بما تعلق به الظروف الأول ، لوقوعه خبرا. ويجوز أن
__________________
(١) الرازي ٢٧ / ٢٧٤.
(٢) الرازي المرجع السابق.
(٣) يقصد قوله :«وَمِنْها تُخْرَجُونَ» من الآية ٢٥ ، فقد قرأ الأخوان (حمزة والكسائي) بالبناء للفاعل وكذا هنا في الجاثية ، وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الراء في الأعراف وكذا هنا على البناء للمفعول.
وانظر الإتحاف ٣٩٠ ، والسبعة ٢٧٩ ، والكشف ٢ / ٢٦٩ ، وتقريب النشر ١٧٣.
(٤) انظر المراجع السابقة.
(٥) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤٣٦.
(٦) قراءة شاذة ذكرها البحر إلمحيط ٩٨ / ٥٢ وشواذ القرآن ٢٢١.