الثاني : أن الأنبياء أرفع حالا من الأولياء وقد قال في حق هؤلاء : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف : ١٣] فكيف يعقل أن يبقى الرسول الذي هو رئيس الأنبياء وقدوة الأولياء شاكّا في أنه هل هو من المغفور لهم؟ فثبت ضعف هذا القول (١).
قوله : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) العامة على بناء «يوحى» للمفعول ، وقرأ ابن عمر (٢) بكسر الحاء على البناء للفاعل وهو الله تعالى. والمعنى (٣) إنّي لا أقول قولا ولا أعمل عملا إلّا بمقتضى الوحي. واحتج نفاة القياس بهذه الآية فقالوا : النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ما قال قولا ولا عمل عملا إلّا بالنص الذي أوحاه الله (إليه) (٤) فوجب أن يكون حالنا كذلك. ثم قال الله تعالى : (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) لأنهم كانوا يطالبونه بالمعجزات العجيبة ، وبالإخبار عن الغيوب فقال : قل ما أنا إلا نذير مبين والقادر على تلك الأعمال الخارجة عن قدرة (البشر والعالم بتلك الغيوب ليس إلّا الله تعالى) (٥) ..
قوله : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) مفعولا «أرأيتم» محذوفان تقديره أرأيتم حالكم إن كان كذا لستم ظالمين؟ وجواب الشرط أيضا محذوف تقديره : فقد ظلمتم. ولهذا أتى بفعل الشرط (٦) ماضيا. وقدره الزمخشري : ألستم ظالمين (٧)؟ ورد عليه أبو حيان بأنه لو كان كذلك لوجبت الفاء ، لأن الجملة الاستفهامية متى وقعت جوابا للشرط لزمت الفاء. ثم إن كانت أداة الاستفهام همزة فقدمت على الفاء نحو : إن تزرنا أفلا نكرمك؟ وإن كانت غيرها تقدمت الفاء عليها نحو : إن تزرنا فهل ترى إلّا خيرا (٨)؟.
قال شهاب الدين : والزمخشري ذكر أمرا تقديريا فسر به المعنى لا الإعراب (٩). وقال ابن عطية و «أرأيتم» يحتمل أن تكون منبّهة ، فهي لفظ موضوع للسؤال ، لا يقتضي مفعولا. ويحتمل أن تكون الجملة كان وما عملت سادّة مسدّ مفعوليها (١٠). قال أبو حيان : وهذا خلاف ما قرّروه النحاة (١١) ، وقد تقدم تحقيق ما قرّره. وقيل : جواب الشرط هو قوله : (فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ)(١٢). وقيل : هو محذوف تقديره فمن المحقّ منا
__________________
(١) وانظر تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٨ / ٧ و ٨ وانظر في هذا كله أيضا تفسير القرطبي ١٦ / ١٨٦ و ١٨٧ وتفسير البحر المحيط ٨ / ٥٦ و ٥٧.
(٢) كذا في النسختين وفي البحر : ابن عمير بينما لم تثبت نسبة في القرطبي والكشاف انظر البحر والقرطبي السابقين والكشاف ٣ / ٥١٨.
(٣) الرازي السابق.
(٤) زيادة من أ.
(٥) الرازي السابق.
(٦) قاله أبو حيان في البحر المحيط ٨ / ٥٧.
(٧) الكشاف ٣ / ٥١٧ و ٥١٨.
(٨) البحر المحيط المرجع السابق.
(٩) الدر المصون ٥ / ٤.
(١٠) نقله عنه أبو حيان في البحر ٨ / ٥٧.
(١١) المرجع السابق.
(١٢) ذكره أبو حيان ولم ينسبه.