قوله : (وَقَدْ خَلَتِ) جملة حالية ، وكذلك (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ) أي يسألان الله (١) ، واستغاث يتعدى بنفسه تارة ، وبالباء أخرى ، وإن كان ابن مالك زعم أنه متعدّ بنفسه ، وعاب قول النحاة : مستغاث به (٢) قال شهاب الدين : لكنه لم يرد في القرآن إلا متعديا بنفسه ، (كقوله) : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) [الأنفال : ٩] (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ) [القصص: ١٥] (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا) [الكهف : ٢٩]. قال ابن الخطيب : معناه يستغيثان الله من كفره وإنكاره ، فلما حذف الجار وصل للفعل ، ويجوز أن يقال : حذف الباء ، لأنه أريد بالاستغاثة الدعاء ، فحذف الجار ، لأنّ الدعاء لا يقتضيه (٣).
قوله : «ويلك» منصوب على المصدر (٤) بفعل ملاق له في المعنى دون الاشتقاق ، ومثله : ويحه (٥) وويسه (٦) ، وويته (٧). وإما على المفعول به بتقدير ألزمك الله ويلك (٨) ، وعلى كلا التقديرين الجملة معمولة لقول مضمر ، أي يقولان ويلك آمن ، (والقول في (٩) محل نصب على الحال أي يستغيثان الله قائلين ذلك ، والمعنى يقولان له ويلك آمن) وصدّق بالبعث ، وهو دعاء عليه بالثّبور والمراد الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقه الهلاك (١٠).
قوله : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) قرأ العامة بكسر إنّ ، استئنافا ، أو تعليلا ، وقرأ عمرو بن (١١) فائد والأعرج بفتحها على أنها معمولة «لآمن» على حذف الباء أي آمن بأن وعد الله حق بالبعث (١٢) «فيقول» لهما (ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي وجب عليهم العذاب (فِي أُمَمٍ) أي مع أمم. وقد تقدم (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ).
قوله : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما (١٣) ـ) يريد
__________________
(١) السابق.
(٢) البحر المحيط ٨ / ٦٢.
(٣) انظر الرازي ٢٨ / ٢٤ بالمعنى.
(٤) قاله النحاس في إعراب القرآن ٤ / ١٦٦ وذكره أيضا العكبري في التبيان ١١٥٧.
(٥) الويح كلمة تقال ـ رحمة ـ وكذلك هي كلمة ترحم وتوجع وقد يقال بمعنى المدح والعجب وهي منصوبة على المصدر ، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف ، وقيل هي بمعنى الويل (اللسان ويح ٤٩٣٧).
(٦) وهي كلمة في موضع رأفة واستملاح كقولك للصبي : ويسه ما أصلحه والويح والويس بمنزلة الويل في المعنى. وويس له أي ويل وقيل : ويس تصغير وتحقير (اللسان المرجع السابق ٤٩٣٨ ويس).
(٧) لم أهتد لتلك الكلمة ولعل التاء إبدال من الحاء أو السّين.
(٨) التبيان المرجع السابق.
(٩) ما بين القوسين كله سقط من ب بسبب انتقال النظر.
(١٠) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٥٢٢.
(١١) سبقت ترجمته.
(١٢) قراءة شاذة ذكرها صاحب الكشاف ٣ / ٥٢٢ و ٥٢٣ والبحر المحيط ٨ / ٦٢.
(١٣) زيادة من أ.