رجالهم (١) ومواشيهم تطير بهم الريح بين السماء والأرض ، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فقلعت (٢) الريح الأبواب ، وصرعتهم وأمال الله تعالى عليهم الأحقاف فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيّام ، لهم أنين ، ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرّمال واحتملتهم ، فرمت بهم في البحر. وروي أن هودا لما أحسّ بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطّا إلى جنب عين تنبع ، وكانت الريح التي تصيبهم ريحا طيّبة هادية ، والريح التي تصيب قوم عاد ترفعهم من الأرض وتطير بهم (٣) إلى السماء ، وتضربهم على الأرض ، وأثر المعجزة إنما ظهر في تلك الريح من هذا الوجه. قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ «ما أمر الله خازن الرّياح أن يرسل على عاد إلّا مثل مقدار الخاتم» وذلك القدر أهلكهم بكلّيّتهم وذلك إظهار قدرة الله تعالى. وعن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه كان إذا رأى الريح فزع وقال : اللهم إنّي أسألك خيرها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما أرسلت به. قال تعالى : (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) والمقصود به تخويف كفار مكة فإن قيل : لما قال (تعالى) (٤) : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣] فكيف يحصل التخويف؟
فالجواب : أن ذلك قبل نزول الآية (٥).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ) مكناهم (فِيهِ) ما موصولة ، أو موصوفة(٦).
وفي «إن» ثلاثة أوجه :
أحدها : شرطية ، وجوابها محذوف والجملة الشرطية صلة ما ، والتقدير : في الّذي إن مكّنّاكم فيه طغيتم (٧).
والثاني : أنها مزيدة تشبيها للموصولة بما النافية والتوقيتية (٨) ، وهو كقوله :
٤٤٥٨ ـ يرجّي المرء ما إن لا يراه |
|
وتعرض دون أدناه الخطوب (٩) |
__________________
(١) في ب رحالهم بالحاء.
(٢) في ب فقفلت وفي الرازي : فعلّقت وكلها معان متقاربة وممكنة.
(٣) في ب والرازي : نظيرهم.
(٤) زيادة من أ.
(٥) انظر الرازي ٢٨ / ٢٨ و ٢٩.
(٦) قاله العكبري في التبيان ١١٥٨.
(٧) نقله أبو حيان في البحر ٨ / ٦٥.
(٨) البيان ٢ / ٣٧٢ والتبيان السابق والبحر السابق أيضا وذكره القرطبي في الجامع ١٦ / ٢٠٨ وابن قتيبة في الغريب ٤٠٨ وتأويل المشكل ١٩٦.
(٩) أنشده الأخفش ولم أجده في معاني القرآن له وهو من الوافر وهو لإياس بن الأرتّ ، وشاهده : زيادة إن حيث إن المعنى لا يتأثر بدونها. وانظر القرطبي ١٦ / ٢٠٨ والبحر ٨ / ٦٥ والكشاف ٣ / ٥٢٥ وشرح شواهد ٤٥ / ٣٤٤ والإنصاف ٣ / ٥٢٥.