والثاني : أن المفعول الأول محذوف ـ كما تقدم ـ و «قربانا» مفعولا ثانيا و «آلهة» بدل منه (١). وإليه نحا ابن عطية والحوفيّ (٢) وأبو البقاء (٣) ، إلا أن الزمخشري منع هذه الوجه قال: «لفساد المعنى» (٤). ولم يبين جهة الفساد. قال أبو حيان : ويظهر أن المعنى صحيح على ذلك الإعراب (٥). قال شهاب الدين : ووجه الفساد ـ والله أعلم ـ أن القربان اسم لما تقرب به إلى الإله ، فلو جعلناه مفعولا ثانيا و «آلهة» بدلا منه لزم أن يكون الشيء المتقرّب به آلهة والغرض أنه غير آلهة. بل هو شيء يتقرب به إليها فهو غيرها فكيف تكون الآلهة بدلا منه؟ وهذا ما لا يجوز (٦).
الثالث : أن «قربانا» مفعول من أجله. وعزاه أبو حيان للحوفي (٧). وإليه ذهب أبو البقاء أيضا (٨). وعلى هذا ف «آلهة» مفعول ثان ، والأول محذوف كما تقدم.
الرابع : أن يكون مصدرا. نقله مكي (٩). ولولا أنه ذكر وجها ثانيا وهو المفعول من أجله لكان كلامه مؤولا بأنه أراد بالمصدر المفعول من أجله لبعد معنى المصدر.
قوله : (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) قال مقاتل : بل ضلت الآلهة عنهم فلم ينفعهم عند نزول العذاب لهم.
قوله : (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) العامة على كسر الهمزة ، وسكون الفاء ، مصدر أفك يأفك إفكا ، أي كذبهم وابن عباس بالفتح (١٠) وهو مصدر له أيضا. وابن عباس ـ أيضا ـ وعكرمة والصّباح بن العلاء أفكهم (١١) ـ بثلاث فتحات ـ فعلا ماضيا ، أي صرفهم. وأبو عياض (١٢) وعكرمة أيضا كذلك ، إلا أنه بتشديد الفاء للتكثير (١٣) ، وابن الزبير (١٤) ، وابن
__________________
(١) البحر المرجع السابق.
(٢) ذكر أبو حيان رأيهما في المرجع السابق.
(٣) التبيان ١١٥٩ وقد ذكره ابن الأنباري في البيان أيضا ٢ / ٣٧٢.
(٤) الكشاف السابق.
(٥) الكشاف السابق ، والبحر المرجع السابق.
(٦) الدر المصون للسمين مخطوط بمكتبة الإسكندرية لوحة رقم ٩٨.
(٧) البحر المحيط المرجع السابق. وقد ذكر هذا الوجه ابن الأنباري في البيان المرجع السابق.
(٨) التّبيان ١١٥٩.
(٩) مشكل إعراب القرآن له ٢ / ٣٠٣ وذكره ابن الأنباري في البيان المرجع السابق.
(١٠) في رواية كما ذكر ذلك صاحب البحر المحيط ٨ / ٦٦ وذكرها أيضا صاحب اللسان أفك ٩٧ وهي شاذة متواترة.
(١١) فعلا ماضيا ـ كما ذكر ـ وهي شاذة ذكرها أبو الفتح في المحتسب ٢ / ٢٦٧ ، وابن خالويه في المختصر ١٣٩ وانظر أيضا معاني القرآن للفراء ٢ / ٥٩.
(١٢) التبيان ١١٥٩ و ١١٦٠.
(١٣) المحتسب والمختصر المرجعين السابقين وهي شاذة أيضا.
(١٤) عبد الله بن الزبير الصحابي المعروف.