والثاني : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يتوعّدهم بهم بعذاب الدنيا وبعذاب الآخرة ، فإذا وصل إليهم في الدنيا عذاب الدنيا فقد أصابهم بعض الذي وعدهم به.
الثالث : قال الزمخشري : «بعض» على بابها وإنما قال ذلك ليهضم موسى بعض حقّه في ظاهر الكلام فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وافيا فضلا عن أن يتعصب له (١). وهذا أحسن من قول أبي عبيدة (٢) وغيره أن بعض بمعنى كل ، وأنشد قول لبيد :
٤٣٣٣ ـ ترّاك أمكنة إذا لم أرضها |
|
أو يرتبط بعض النّفوس حمامها (٣) |
وأنشد أيضا قول عمرو بن شييم :
٤٣٣٤ ـ قد يدرك المتأنّي بعض حاجته |
|
وقد يكون مع المستعجل الزّلل (٤) |
وقول الآخر :
٤٣٣٥ ـ إنّ الأمور إذا الأحداث دبّرها |
|
دون الشّيوخ ترى في بعضها خللا (٥) |
قال شهاب الدين : ولا أدري كيف فهموا «الكل» من البيتين الأخيرين ، وأما الأول ففيه بعض دليل لأن الموت يأتي على الكل (٦). قال ابن الخطيب : والجمهور على أن هذا القول خطأ قالوا : وأراد لبيد ببعض النفوس نفسه (٧) ، ومعنى البيت أنه وصف نفسه
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٤٢٥.
(٢) لم أجد في المجاز عند هذه الآية تعليقا لأبي عبيدة وقد ذكر في [آل عمران : ٥٠] وهي قوله «وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» وفي الآية ٦٣ من سورة الزخرف «وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ» أن البعض بمعنى الكل. المجاز له ١ / ٩٤ و ٢ / ٢٠٥. وقد ذكر الإمام القرطبي في الجامع ١٥ / ٣٠٧ رأي أبي عبيدة هذا ورأي الماوردي في أن البعض بمعنى الكل.
(٣) بيت من الكامل من المعلقة المشهورة له والرواية كما ذكرت أعلى ، ويروى : أو يرضها بالياء ، كما يروى «أو يعتلق» بدل قوله «أو يرتبط» والشاهد : بعض النفوس فقد ذهب أبو عبيدة إلى أن بعض بمعنى كل وهذا خلاف ما عليه أهل اللغة ؛ لأن المراد بها نفسه كما أخبر الإمام الرازي أعلى. وانظر شرح القصائد السبع ٥٧٣ ، ومجالس ثعلب ٥٠ ، والخصائص ١ / ٧٤ و ٢ / ٣١٧ و ٣٣١ ومحتسب ابن جني أيضا ١ / ١١١ وشرح شواهد الشافية للبغدادي ٤١٥ ، والجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٣٠٧ وفتح القدير للشوكاني ٤ / ٤٨٨ والطبري ٢٥ / ٥٥ والديوان ٤ / ٦٨٩ واللسان «ح م م».
(٤) الشهير بالقطامي لقبا. وهو من البسيط ووجه الاستشهاد به كسابقه حيث ذهب بعضهم إلى أن «بعض» بمعنى «كل» وهو خلاف ما عليه أهل اللغة فإن ذكر البعض يوجب الكل وانظر البحر المحيط ٧ / ٤٦١ والدر المصون ٤ / ٦٩٠ واللسان بعض ٣١٢ ، ٣١٣ والقرطبي ١٥ / ٣٠٧ ومجالس ثعلب ١٦٩ وفتح القدير ٤ / ٤٨٨ وديوانه ٣.
(٥) مجهول قائله وهو من البسيط أيضا ، وشاهده كسابقيه من استعمال البعض بمعنى الكل عند البعض ومعنى البيت واضح ، وقد تقدم.
(٦) الدر المصون السابق.
(٧) التفسير الكبير له ٢٧ / ٥٨.