أنه نزّال أمكنة أي كثير النزول في أماكن لا يرضاها إلا أن يربط نفسه الحمام وهو الموت ، وقال اللّيث : بعض ههنا صلة يريد يصبكم الذي يعدكم (١). ولما حكى الزمخشري قول أبي عبيدة أن «بعض» بمعنى «الكل» وأنشد عنه بيت لبيد قال : إن صحت الرواية عنه فقد حق فيه قول المازنيّ في مسألة العلقى : كان أجفى من أن يفقه ما أقول له (٢). قال شهاب الدين : ومسألة المازني معه : هي أن أبا عبيدة قال للمازني : ما أكذب النحويين يقولون هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث ، فإن الألف في علقى ملحقة ، قال : فقلت له وما أنكرت من ذلك؟ فقال : سمعت رؤبة ينشد :
٤٣٣٦ ـ ينحطّ في علقى ... |
|
......... (٣) |
فلم ينونها ، فقلت : ما واحد علقى؟ قال : علقاة ، قال المازني : فأسفت ولم أفسر له لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا. قال شهاب الدين (٤) : وإنما استغلظه المازني ؛ لأن الألف التي للإلحاق قد تدخل عليها تاء التأنيث (دالة (٥) على الواحدة فيقال : أرطى ، وأرطاة ، وإنما الممتنع دخولها على ألف التأنيث) نحو : دعوى ، وصرعى. وأما عدم تنوين «علقى» فلأنه سمّى بها شيئا بعينه ، وألف الإلحاق المقصورة حال العلمية تجري (٦) مجرى تاء التأنيث فيمتنع الاسم الذي هو فيه كما يمتنع فاطمة وينصرف قائمة (٧).
قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) وفيه احتمالان :
الأول : أن هذا إشارة إلى الرمز والتعريض بعلو شأن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ والمعنى أن الله تعالى هدى موسى إلى الإتيان بالمعجزات الباهرة ، ومن هداه إلى الإتيان بالمعجزات لا يكون مسرفا كذّابا فدل على أن موسى ليس من الكذابين.
الاحتمال الثاني : أن يكون المراد أن فرعون مسرف في عزمه على قتل موسى كذاب في ادعائه الإلهيّة والله لا يهدي من هذا شأنه وصفته بل يبطله ويهدم أمره.
__________________
(١) ذكره عنه الخازن والبغوي ٦ / ٩٣ وقد ذكر الزجاج في معاني القرآن وإعرابه في بيت القطامي : إنما ذكر البعض ليوجب له الكل إلا أن البعض هو الكل ولكن للقائل إذا قال أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض حاجته وأقل ما يكون للمستعجل الزلل ٤ / ٣٧٢.
(٢) انظر كشافه ٣ / ٤٢٥.
(٣) من بيت من الرجز ، تمامه : ينحطّ في علقى وفي مكور. وبعده : بين تواري الشّمس والذّرور. كما في ديوانه والمكور : نبتة من نبات الصحراء غير المزهرة ، ومثلها العلقى انظر الديوان ٢٣٣ وإنباه الرواة للقفطي ١ / ٢٥٤ والكتاب ٣ / ٢١٢ ، ولسان العرب «مكر وعلق» وهو في النسب للعجاج بلفظ «فحطّ» ماضيا وانظره أيضا في الدر المصون ٤ / ٦٩٠.
(٤) المرجع السابق.
(٥) ما بين القوسين كله سقط من ب فقط بسبب انتقال النظر.
(٦) في ب يجري.
(٧) السابق.