قوله : (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) اعلم أن مؤمن آل فرعون لما استدل على أنه لا يجوز قتل موسى خوف فرعون وقومه ذلك العقاب (١) الذي توعّدهم به في قوله (يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) فقال : يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض. أي أرض مصر يعني قد علوتم الناس وقهرتموهم فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله إن حلّ بكم ، وإنما قا ل «ينصرنا وجاءنا» ؛ لأنه كان يظهر أنه منهم وأن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه (٢).
قوله «ظاهرين» حال من الضمير في «لكم» والعامل فيها وفي اليوم ما تعلق به «لكم»(٣).
ولما قال المؤمن هذا الكلام قال فرعون : (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى) هي من رؤية الاعتقاد(٤) فيتعدى لمفعولين ثانيهما (إِلَّا ما أَرى) أي إلا ما أرى لنفسي (٥). وقال الضحاك: ما أعلمكم إلا ما أعلم (٦). قوله (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) العامة على تخفيف الشين ، مصدر رشد يرشد. وقرأ معاذ بن جبل بتشديدها (٧) ، وخرجها أبو الفتح وغيره على أنها صفة مبالغة ، نحو ضرب فهو ضرّاب (٨) ، وقال النحاس : هو لحن ، وتوهمه من (٩) الرباعي يعني أرشد ، ورد على النحاس قوله : بأنه يحتمل أن يكون من «رشد» الثلاثي ، وهو الظاهر (١٠) ، وقد جاء فعال أيضا من أفعل وإن كان لا ينقاس ، قالوا : أدرك فهو درّاك وأجبر فهو جبّار ، وأقصر فهو قصّار ، وأسأر (١١) فهو سئّار. ويدل على أنه صفة مبالغة أن معاذا كان يفسرها بسبيل الله.
قال ابن عطية : ويبعد عندي على معاذ ـ رضي الله عنه ـ وهل كان فرعون يدعي إلا الإلهيّة؟ ويعلق بناء اللفظ على هذا التركيب (١٢). قال شهاب الدين يعني ابن عطية أنه
__________________
(١) في ب : العذاب بدل العقاب.
(٢) التفسير الكبير للرازي ٢٧ / ٥٨ ، ٥٩.
(٣) وهو «الملك» وانظر الإعراب في التبيان ١١١٨.
(٤) أي الرواية العلمية التي تحتاج مفعولين.
(٥) المرجع السابق.
(٦) نقله البغوي ٦ / ٩٤.
(٧) شاذة غير متواترة ذكرها العكبري في التبيان ١١١٨ والكشاف ٣ / ٤٢٥ والمختصر لابن خالويه ١٣٢ ، والمحتسب لابن جني ٢ / ٢٤١ و ٢٤٢.
(٨) المراجع السابقة.
(٩) إعراب القرآن له ٤ / ٣٤ بدون تعليق.
(١٠) قال أبو الفتح بن جني في المحتسب المرجع السابق وينبغي أن يكون هذا من قولهم رشد يرشد كعلام من علم يعلم ، أو من رشد يرشد كعباد من عبد يعبد ولا ينبغي أن يحمل على أنه من أرشد يرشد لأن فعالا لم يأت إلا في حروف محفوظة.
(١١) أي أبقى في الكأس بقية وقد ذكر هذه الألفاظ ابن جني في محتسبه المرجع السابق ٢ / ٢٤١ و ٢٤٢ ، والزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٢٥ والسمين في الدر ٤ / ٦٩١ وابن خالويه في حجة القراءات السبع ذكر ثلاثة فقط دراك وقصار وسآر ، الحجة له ٣١٥.
(١٢) البحر المحيط ٧ / ٤٦٢.