كيف يقول فرعون ذلك فيقر بأنّ ثمّ من يهدي إلى الرشاد غيره مع أنه يدعي أنه إله (١). وهذا الذي عزاه ابن عطية والزمخشري وابن جبارة (٢) صاحب الكامل إلى معاذ بن جبل من القراءة المذكورة ليس هو في «الرّشاد» الذي هو في كلام فرعون كما توهموا ، وإنما هو في «الرّشاد» الثاني الذي هو من قول المؤمن بعد ذلك (٣). ويدل على ذلك ما روى أبو الفضل الرازي في كتاب اللوامح : وقرأ معاذ بن جبل سبيل الرشاد الحرف الثاني (٤) بالتشديد وكذلك الحسن وهو سبيل الله تعالى أوضحه لعباده كذلك فسره معاذ (بن جبل) وهو منقول من مرشد كدرّاك من مدرك ، وجبار من مجبر ، وقصّار من مقصر عن الأمر ، ولها نظائر معدودة فأما قصّار الثوب فهو من قصرت الثوب قصارة. فعلى هذا يزول إشكال ابن عطية المتقدم ويتضح القراءة والتفسير (٥). وقال أبو البقاء وهو الذي يكثر منه الإرشاد أو الرشد يعني أنه يحتمل أن يكون من «أرشد» الرباعي ، أو «رشد» الثلاثي ، والأولى أن يكون من الثلاثي لما عرفت أنه ينقاس دون الأول(٦).
قوله : (يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) اعلم أنه تعالى (لما) (٧) حكى عن ذلك المؤمن أنه (كان) (٨) يكتم إيمانه والذي يكتم إيمانه كيف يمكنه أن يذكر هذه الكلمات مع فرعون فلهذا السبب حصل ههنا قولان :
الأول : أن فرعون لما قال ذروني أقتل موسى لم يصرّح ذلك المؤمن بأنه على دين موسى بل أوهم أنه على دين فرعون إلا أنه زعم أن المصلحة تقتضي إبقاء موسى ؛ لأنه لم يصدر عنه إلا الدعوة إلى الله والإتيان بالمعجزات القاهرة ، وهذا لا يبوجب القتل ، فالإقدام على قتله يوجب الوقوع في ألسنة الناس يقبح الكلمات بل الأولى تأخير قتله ومنعه من إظهار دينه لأنه إن كان كاذبا فوبال كذبه عليه ، وإن كان صادقا حصل الانتفاع به من بعض الوجوه. ثم أكد ذلك بقول: (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) يعني أنه إن صدق فيما يدعيه من إثبات الإله القادر الحكيم فهو لا يهدي المسرف الكذاب ،
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٦٩١.
(٢) هو أبو القاسم الهذلي صاحب القراءات الخمسين الكتاب الشهير وقد مر ترجمته وانظر البحر ٧ / ٤٦٢ والكشف ٤ / ٤٢٥ والكامل في القراءات الخمسين (خ) ٢ / ق ٢٣٤ ب وفيه الرشاد بتشديد الشين الحسن والباقون بتخفيف الشين ، والأحسن التشديد يعني الله فهم قد فهموا من خلال تلك الآية فهما ناقص المعنى والمقام وإنما ما قالوه في الآية الآتية كما أوضع المؤلف أعلى تبعا لأبي حيان ومن حذا حذوه.
(٣) وهي «وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ» الآية ٣٨ من نفس السورة.
(٤) يقصد الشين.
(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٤٦٢ والدر المصون ٤ / ٦٩١.
(٦) بالمعنى من التبيان ١١٨ وقد جعله اسما للمصدر فقال : «الجمهور على التخفيف وهو اسم للمصدر ، إما الرشد أو الإرشاد».
(٧) سقط من ب.
(٨) كذلك.