فأوهم بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) أنه يريد موسى ، وإنما كان يقصد به فرعون ؛ لأن المسرف الكذاب هو فرعون.
والقول الثاني : أن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه أولا فلما قال فرعون ذروني أقتل موسى أزال الكتمان وأظهر أنه على دين موسى وشاقّ (١) فرعون بالحق وقال : يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب أي مثل أيام الأحزاب إلا أنه لما أضاف اليوم إلى الأحزاب وفسرهم بقوم نوح وعاد وثمود ، وكان لكل حزب يوم في العذاب اقتصر من الجمع على ذكر الواحد لعدم الالتباس.
قوله : (مِثْلَ دَأْبِ) يجوز أن يكون «مثل» بدلا ، وأن يكون عطف بيان (٢) والمعنى مثل دأبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي دائما لا يفترون عنه. ولا بدّ من حذف مضاف يريد مثل جزاء دأبهم. والحاصل أنه خوفهم الهلاك في الدنيا ثم خوفهم هلاك الآخرة (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) أي لا يهلكهم قبل إقامة الحجة عليهم ، والمقصود التنبيه على عذاب الآخرة يعني أن تدمير أولئك الأحزاب كان عدلا بأنهم استوجبوه بتكذيبهم الأنبياء ، وتلك العلة قائمة هنا فوجب حصول الحكم هنا.
قالت المعتزلة : وما الله يريد طلما للعباد يدل على أنه لا يريد أن يظلم العباد ، ولا يريد الظلم من أحد من العباد البتة ، ولو خلق الكفر فيهم ثم عذبهم على ذلك الكفر لكان ظالما ، وإذا ثبت أنه لا يريد الظلم ألبتة ثبت أنه غير خالق لأفعال العباد ، لأنه لو خلقها لأرادها ، وثبت أيضا أنه قادر على الظلم إذ لو لم يقدر عليه لما حصل التمدح بترك الظلم ، وهذا الاستدلال قد تقدم مرارا مع الجواب (٣).
قوله (تعالى) (٤) : (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) التناد تفاعل من النداء يقال : تنادى القوم أي نادى بعضهم بعضا (٥) ، والأصل : الياء ، وقد تقدم الخلاف في يائه كيف تحذف والأصل (٦) تناديا ـ بضم الدال ـ ولكنهم كسروها ؛ لتصحّ الياء. وقرأت طائفة بسكون الدال إجراء للوصل مجرى الوقف (٧) ، وتنادى القوم أي نادى بعضهم بعضا ، قال (الشّاعر (٨) ـ رحمهالله ـ) :
__________________
(١) بزنة فاعل من شاقّ يشاقق إذا جاهر وخالف.
(٢) البيان ٢ / ٣٣١ والدر المصون ٤ / ٦٩٢.
(٣) وانظر تفسير الإمام فخر الدين ٢٧ / ٦٠ ، ٦١.
(٤) سقط من ب.
(٥) بين في الرعد عند قوله : «مآب» و «متاب» و «عقاب» من الآيات ٢٩ ، ٣٠ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤ أنّ إثبات الياء الوجه والحذف حسن جميل ؛ لأن الكسرة تدل عليها وهو رأس آية وانظر اللباب ٤ / ٩٧ ب.
(٦) انظر غريب القرآن لابن قتيبة ٣٨٦.
(٧) لم أجد تحديد من قرأ بها انظر البحر ٧ / ٤٦٤ والدر المصون ٤ / ٦٩٢.
(٨) زيادة من (أ) عن (ب).