الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) [الأنفال : ٥٧] وبقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] وإليه ذهب قتادة والضحاك ، والسّديّ وابن جريج ، وهو قول الأوزاعي (١) وأصحاب الرأي وقالوا : لا يجوز المنّ على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء. وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة ، والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا أوقعوا في الأسر بين أن يقتلهم ، أو يسترقّهم أو يمنّ عليهم فيطلقهم بلا عوض أو يفاديهم بالمال أو بأسارى المسلمين. وإليه ذهب ابن عمر. وبه قال الحسن وعطاء وأكثر الصحابة والعلماء. وهو قول الثّوريّ والشافعيّ وأحمد وإسحاق (٢). قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله في الأسارى (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) ، وهذا هو الأصح والاختيار ، لأنه عمل به رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والخلفاء بعده (٣). روى البخاري عن أبي هريرة قال : بعث النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خيلا قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة ، يقال (له) (٤) ثمامة بن أثال ، فربطوه في سارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : ما عندك يا ثمامة؟ فقال : عندي خير يا محمد ، إن تقتلني تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فلك ما شئت ، حتى كان الغد فقال له : ما عندك يا ثمامة؟ فقال : عندي ما قلت لك : إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتى إذا كان بعد الغد قال : ما عندك يا ثمامة؟ قال : عندي ما قلت لك قال : أطلقوا ثمامة ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ. والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فقد أصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ. وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فما ترى؟ فبشّره رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت؟ قال : لا ولكن أسلمت مع محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ. وعن عمران بن حصين قال : أسر أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رجلا من عقيل فأوثقوه ، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ففداه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف.
__________________
(١) سبق التعريف به.
(٢) هو الإمام الحافظ الكبير إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ أبو يعقوب التّميميّ المروزيّ ويعرف بابن راهويه صاحب المسند والسنن والتفسير المشهور سمع من ابن المبارك وجرير بن عبد الحميد ، وعنه الجماعة سوى ابن ماجه. مات سنة ٢٣٨ ه. انظر طبقات الداودي ٢ / ١٠٣ : ١٠٥.
(٣) انظر القرطبي ١٦ / ٢٢٧ و ٢٢٨.
(٤) سقط من ب.