تطيب للأكل ولا للشرب ، فإن الدّهن لا يأكل ولا يشرب في الغالب وأما اللبن ففيه الدسم الكائن في غيره وهو طيب للأكل وبه تغذية الحيوان أولا فذكره الله تعالى ؛ وأمّا ما يشرب لغير الطّعم فالماء والخمر ، فإن الخمر كريهة الطعم ، لحصول التواتر بذلك ، وإنما تشرب لأمر آخر غير الطعام وأما الماء فلأن به بقاء الحيوان فذكره.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله في الخمر : (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) ولم يقل في اللبن : لم يخبر طعمه للطاعمين ولا قال في العسل مصفّى للناظرين؟
فالجواب : قال ابن الخطيب : لأن اللذّة تختلف باختلاف الأشخاص فربّ طعام يلتذ به شخص ويعافه الآخر فقال : لذة للشاربين بأسرهم ، ولأن الخمر كريهة الطعم في الدنيا ، فقال لذة ، أي لا يكون في خمر الآخرة كراهة طعم وأما الطعم واللون فلا يختلف باختلاف الناس ، فإن الحلو والحامض وغيرهما يدركه كل أحد قد يعافه بعض الناس ويلتذ به البعض مع اتفاقهم على أنّ له طعما واحدا وكذلك اللون فلم يكن للتصريح بالتعميم حاجة (١).
قوله : (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) فيه وجهان :
أحدهما : أن هذا الجار صفة لمقدر ، وذلك المقدر مبتدأ وخبره الجار قبله وهو «لهم» و «فيها» متعلق بما تعلق به ، والتقدير : ولهم فيها زوجان من كل الثمرات ، كأنه انتزعه من قوله تعالى : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) [الرحمن : ٥٢] وقدر بعضهم صنف. والأول أليق(٢).
والثاني : أن «من» مزيدة في المبتدأ.
قوله : «ومغفرة» فيه وجهان :
أحدهما : أنه عطف على ذلك المقدر لا بقيد كونه في الجنة ، أي ولهم مغفرة ؛ لأنّ المغفرة تكون قبل دخول الجنة ؛ أو بقيد ذلك. ولا بدّ من حذف مضاف حينئذ أي وبنعيم (٣) مغفرة ؛ لأنه ناشىء عن المغفرة وهو الجنة (٤).
والثاني : أن يجعل خبرها مقدرا أي ولهم مغفرة. والجملة مستأنفة (٥) ، والفرق بين الوجهين أن الوجه الذي قبل هذا فيه الإخبار ب «لهم» الملفوظ به عن شيئين ، ذلك المحذوف ومغفرة. وفي الوجه الآخر الخبر جار آخر حذف للدّلالة عليه.
قوله : (كَمَنْ هُوَ) قد تقدم أنه يجوز أن يكون خبرا عن : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) ، بالتأويلين
__________________
(١) وانظر تفسير الإمام الكبير الإمام الفخر الرازي ٢٨ / ٥٤ ، ٥٨.
(٢) انظر التبيان ١١٦٢.
(٣) في (ب) وينعم فعلا. وما هو بالمقصود.
(٤) بالمعنى من البحر المحيط ٨ / ٧٩.
(٥) التبيان المرجع السابق.