والمضروب عنه محذوف في الموضعين أما ههنا فتقديره ما قال الله كذلك (١) من قبل بل تحسدوننا أي يمنعكم الحسد من أن نصيب منكم الغنائم (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) لا يعلمون (٢) عن الله ما لهم وعليهم من الدين (إِلَّا قَلِيلاً) منهم وهم (٣) من صدق الله ورسوله.
(فإن (٤) قيل : بماذا كان الحسد في اعتقادهم؟
قلنا : كأنهم قالوا : نحن (كنا) مصيبين في عدم الخروج (حيث) (٥) رجعوا من الحديبية من غير عدو حاصل ، ونحن استرحنا فإن خرجنا معهم ويكون فيه غنيمة يقولون هم غنموا معنا ولم يتعبوا معنا. ثم قال الله تعالى ردا عليهم كما ردوا عليه : (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) أي لم يفقهوا من قولك : لا تخرجوا إلا ظاهر النهي ، فلم يفهموا حكمه إلّا قليلا فحملوه على ما أرادوه وعللوه بالحسد ..).
قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) لما قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لهم لن تتبعونا ، ولن تخرجوا معي أبدا وكان المخلفون جمعا كثيرا من قبائل متشعبة دعت الحاجة إلى بيان قبول توبتهم ، فإنهم لم يبقوا على ذلك ، ولم يكونوا من الذين مردوا على النفاق بل منهم من حسن حاله فجعل لقبول توبتهم (٦) علامة (وهو أنهم (٧) يدعون إلى قوم أولي بأس شديد ، ويطيعون بخلاف حال ثعلبة ، حيث امتنع من أداء الزكاة ، ثم أتى بها ولم يقبل منه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ واستمر عليه الحال ، ولم يقبل منه أحد من الصحابة كذلك كان يستمر حال هؤلاء لولا أن الله تعالى بين أنهم يدعون ، فإن أطاعوا أعطوا الأجر الحسن. والفرق بين حال هؤلاء وبين حال ثعلبة من وجهين :
أحدهما : أن ثعلبة يجوز أن يقال حاله لم يكن يتغير في علم الله فلم يبين لتوبته علامة) وحال الأعراب تغيرت ، فإن بعد النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم يبق من المنافقين على النفاق أحد.
الثاني : أن الحاجة إلى بيان حال الجمع الكثير ، والجمّ الغفير ، أمسّ ؛ لأنه لو لا البيان لأفضى الأمر إلى قيام الفتنة بين فرق المسلمين (٨).
__________________
(١) في الرازي : وكذلك. وانظر الرازي المرجع السابق.
(٢) في ب : يعملون.
(٣) وفي ب أيضا : وهو.
(٤) ما بين القوسين كله سقط من ب.
(٥) زيادات من الرازي لتوضيح السياق. وانظر الرازي السابق.
(٦) في ب توبته. عائدا على لفظ من.
(٧) ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.
(٨) وانظر الرازي ٢٨ / ٩١ و ٩٢.