المتغايرين وتنبىء عن الحصر ، يقال : العدد زوج أو فرد ، ولهذا لا يصح قول القائل : هذا (١) زيد أو ابن (٢) عمرو ؛ إذا كان زيد ابن عمرو ؛ إذا علم هذا فقول القائل :ألازمك (٣) أو تقضيني حقّي معناه أن الزمان انحصر في قسمين : قسم يكون فيه الملازمة ، وقسم يكون فيه قضاء الحق فيكون قوله : «ألازمك أو تقضيني» ، كقوله : ألازمك إلى أن تقضيني ، لامتداد زمان الملازمة إلى القضاء) (٤).
قوله : (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) يعني الجنة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) تعرضوا (كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) عام الحديبية (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) وهو النار ، فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة (٥) : كيف بنا يا رسول الله؟ فأنزل الله ـ عزوجل (٦) ـ (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) أي في التخلف عن الجهاد (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ). وذلك لأن الجهاد عبارة عن المقاتلة والكرّ والفرّ ، وهؤلاء الثلاثة لا يمكنهم الإقدام على العدو والطلب ، ولا يمكنهم الاحتراز والهرب. وفي معنى الأعرج الأقطع والمقعد بل أولى أن يعذر ، ومن به عرج لا يمكنه من الكرّ والفرّ لا يعذر ، وكذلك المرض الذي لا يمنع من الكر والفر كالطّحال والسّعال وبعض أوجاع المفاصل إذا لم يضعفه عن الكرّ والفر ، فهذه الأعذار في نفس المجاهد ، وتبقى أعذار خارجة ، كالفقر الذي لا يمكن صاحبه من استصحاب ما يحتاج له وكذا الاشتغال بمن لولاه لضاع كطفل أو مريض. والأعذار المبيحة مذكورة في كتب الفقه (٧). وقدم الأعمى على الأعرج ، لأن عذر الأعمى يستمر ولو حضر القتال ، والأعرج إن حضر راكبا أو بطريق يقدر على القتال بالرمي وغيره. قوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) قرأ أهل المدينة والشام ندخله ونعذبه بالنون فيهما (٨). وقرأ الآخرون بالياء لقوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ)(٩).
قوله تعالى :(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)(١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ
__________________
(١) في الرازي المصدر السابق : «هو».
(٢) زيادة من النسخ عن الرازي.
(٣) المشهور : لألزمنّك كما في الرازي والمغني وغيرهما.
(٤) بالمعنى من تفسير الإمام ٢٨ / ٩٣.
(٥) أي المرض والعاهة.
(٦) وانظر القرطبي ١٦ / ٢٧٣.
(٧) الرازي ٢٨ / ٩٣ و ٩٤.
(٨) نافع وابن عامر وأبو جعفر. وانظر الإتحاف ٣٩٦ وهي متواترة.
(٩) وهو اختيار أبي عبيد ، وأبي حاتم ؛ لتقدم ذكر الله أولا. انظر القرطبي ١٦ / ٢٧٤.