بتقدير الله ، كما أنه كف أيديهم عنكم بالفرار ، وأيديكم عنهم بالرجوع عنهم وتركهم.
روى ثابت عن أنس بن مالك ـ (رضي الله عنه) (١) ـ أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من جبل التنعيم (٢) متسلحين يريدون غرّة (٣) النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأصحابه فأخذهم سلما فاستحياهم (٤) فأنزل الله : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ).
قال عبد الله بن مغفّل المزنيّ : كنا مع النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله تعالى «في القرآن» ، وعلى ظهره غصن من أغصان الشجرة فرفعته عن ظهره ، وعلي بن أبي طالب ـ (رضي الله عنه (٥)) ـ بين يديه يكتب كتاب الصلح فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فنادوا في وجوهنا فدعى عليهم نبي الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال لهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ جئتم في عهد (أحد (٦)) أو هل جعل (٧) لكم أحد أمانا؟ قالوا : اللهم لا فخلّى سبيلهم. فأنزل الله هذه الآية (٨).
قوله : (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) قرأ أبو عمرو (٩) يعلمون بالياء وقرأ الآخرون بالتاء من فوق فمن قرأ بالغيبة فهو رجوع إلى قوله : «أيديهم» و «عنهم». ومن قرأ بالخطاب فهو رجوع إلى قوله : «أيديكم» و «عنكم» ، والمعنى أن الله يرى فيه من المصلحة وإن كنتم لا ترون ذلك (١٠).
ثم بين ذلك بقوله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وهذا إشارة إلى أن الكف لم يكن الأمر (فيهم (١١)) لأنهم كفروا وصدوكم وأحصروا وكل ذلك يقتضي قتالهم ، فلا يقع لأحد أن الفريقين اتفقوا واصطلحوا ، ولم يكن بينهما خلاف ولا نزاع بل الاختلاف والنزاع باق مستمر ؛ لأنهم هم الذين كفروا وصدوكم ومنعوكم فازدادوا كفرا وعداوة ، وإنما ذلك للرجال المؤمنين والنّساء المؤمنات (١٢).
قوله : «والهدي» العامة على نصبه ، والمشهور أنه نسق على الضمير المنصوب في
__________________
(١) زيادة من (أ).
(٢) جبل وهو موضع بين مكة وسرف.
(٣) الغرة بالكسر الغفلة.
(٤) في القرطبي : فأخذناهم ... فاستحييناهم.
(٥) زيادة من (أ).
(٦) زيادة من الروايات لاستقامة اللفظ والمعنى.
(٧) في (ب) يجعل.
(٨) وانظر في سبب النزول القرطبي ١٦ / ٢٨٠ و ٢٨١.
(٩) وحده وهي قراءة متواترة انظر السبعة ٦٠٤ والكشف ٢ / ٢٨٢.
(١٠) قاله الإمام الرازي ٢٨ / ٩٨.
(١١) ما بين القوسين زيادة من الرازي ، فقد أشار الناسخ في النسختين بقوله كذا بياض في الأصل وفي الرازي : إشارة إلى أن الكف لم يكن لأمر فيهم ، لأنهم كفروا ، وصدوا وأحصروا.
(١٢) بالمعنى من تفسير الإمام ٢٨ / ٩٩.