عليه بعد وجوده وإما أن يرجح عليه بأمر قبله ، فالذي بعده كالحسن والقوة وغيرهما من الأوصاف المطلوبة من ذلك الشيء وأما الذي قبله فإنما راجع إلى أصله الذي وجد منه أو إلى الفاعل الذي أوجده فالأول كقولك : هذا من النّحاس ، وهذا من فضّة والثاني : كقولك : هذا عمل فلان ، وهذا عمل فلان ، فقال تعالى : لا ترجيح (١) بما خلقتم منه ، لأنكم كلكم من ذكر وأنثى ، ولا ترجيح بالنسبة إلى فاعلكم لأنكم كلكم خلق الله ، فإن كان عندكم تفاوت فهو بأمور تحصل لكم بعد وجودكم وأشرفها التّقوى (٢).
قوله : (جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) الشعوب جمع شعب بفتح الشين ، وهو أعلى طبقات الأنساب مثل ربيعة ، ومضر ، والأوس ، والخزرج ، وذلك أن طبقات النسب التي عليها العرب ستّ : الشّعب ، والقبيلة ، والعمارة ، والبطن ، والفخذ ، والفصيلة ، وكل واحد يدخل فيما قبله فالفصيلة تدخل في الفخذ والفخذ في البطن وزاد بعض الناس بعد الفخذ العشيرة فجعلها داخلة فيها ، فتكون الفصائل داخلة في العشيرة وتدخل العشيرة في الأفخاذ وتدخل الأفخاذ في البطون والبطون في العمائر والعمائر في القبيلة والقبيلة في الشعب ، وذكر الأعم لأنه أذهب بالافتخار (٣) وسمّي الشعب شعبا لتشعب القبائل منه ، واجتماعهم فيه كشعب أغصان الشجرة. والشّعب من الأضداد ، يقال : شعب أي جمع ، ومنه تشعيب القدح وشعّب أي فرق (٤) ، والقبائل هي دون الشعوب واحدتها قبيلة وهي كبكر من ربيعة ، وتميم من مضر سميت بذلك لتقابلها ، شبهت بقبائل الرأس ، وهي قطع متقابلة ، وقيل : الشعوب في العجم ، والقبائل في العرب والأسباط في بني إسرائيل. وقيل : الشعب النسب الأبعد والقبيلة الأقرب وأنشد :
٤٥٠٣ ـ قبائل من شعوب ليس فيهم |
|
كريم قد يعدّ ولا نجيب (٥) |
والنسبة إلى الشّعب شعوبيّة ـ بفتح الشين ـ وهم جيل يبغضون العرب ودون القبائل العمائر واحدتها ـ عمارة ـ بفتح العين وهم كشيبان من بكر ودارم من تميم ، ودون العمائر البطون واحدتها بطن وهم كبني هاشم وأمية من بني لؤيّ. ثم الفصائل والعشائر واحدتها فصيلة وعشيرة.
وقال أبو روق : الشعوب الذين لا يعتزون إلى أحد بل ينتسبون إلى المدائن والقرى والقبائل العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم (٦).
__________________
(١) وفيها ترجّح.
(٢) الرازي ٢٨ / ١٣٧ و ١٣٨.
(٣) البغوي والخازن ٦ / ٢٣٠ والرازي السابق.
(٤) الصّحاح للجوهري «شعب» والقرطبي ١٦ / ٣٤٤.
(٥) البيت من تمام الوافر ، وهو لعبيد بن الأبرص وشاهده واضح وانظر القرطبي ١٦ / ٣٤٤ والبحر المحيط ٨ / ١١٦ وفتح القدير ٥ / ٦٧ والخصائص ٢ / ١٦٩.
(٦) انظر القرطبي المرجع السابق والبحر أيضا.