تخويفهم وكيدهم ومكرهم على الله تعالى بقوله : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) وهو إنما تعلم هذه الطريقة من موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين خوّفه فرعون بالقتل فرجع موسى في دفع ذلك الشر إلى الله تعالى فقال : (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ). ثم قال : (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ). أي عالم بأحوالهم يعلم المحقّ من المبطل (١).
قوله : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا). قال مقاتل : لما قال هذه الكلمات قصدوا قتله فهرب منهم إلى الجبل فطلبوه ، فلم يهتدوا عليه. وقيل : المراد بقوله : فوقاه الله سيئات ما مكروا أنهم قصدوا إدخاله في الكفر ، وصرفه عن الإسلام ، فوقاه الله من ذلك. والأول أولى ، لأن قوله بعد ذلك : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) لا يليق إلا بالوجه الأول (٢).
وقرأ حمزة وحيق ـ بكسر الحاء (٣) ـ وكذلك في كل القرآن والباقون بالفتح.
قال قتادة : نجا مع موسى ، وكان قبطيّا. «وحاق» نزل (بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) الغرق في الدنيا ، والنار في الآخرة (٤).
قوله : «النّار» الجمهور على رفعها ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه بدل من : (سُوءُ الْعَذابِ) قاله الزجاج (٥).
الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أي سوء العذاب النار (٦) ، لأنه جواب لسؤال مقدر؛ و «يعرضون» على هذين الوجهين يجوز أن يكون حالا من «النار» ، ويجوز أن يكون حالا من «آل فرعون».
الثالث : أنه مبتدأ ، وخبره : «يعرضون» (٧).
وقرىء النّار (٨) منصوبا ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه منصوب بفعل مضمر يفسره يعرضون من حيث المعنى أي يصلون النار يعرضون عليها كقوله : (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ)(٩) [الإنسان : ٣٢].
__________________
(١) السابق.
(٢) الرازي ٢٧ / ٧٣.
(٣) لم أجد هذه القراءة عن حمزة في المتواتر ولا في الشواذ إلا ما حكاه الإمام الرازي في مرجعه السابق.
(٤) انظر البغوي ٦ / ٩٦ والبحر ٧ / ٤٦٨.
(٥) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٧٦ وهو أحد وجهين قال بهما أبو إسحاق.
(٦) السابق. وانظر أيضا البيان لابن الأنباري ٢ / ٣٣ ، ومعاني الأخفش ٦٧٧ ، وقد قال هو وابن الأنباري بالأول أيضا.
(٧) البيان ٢ / ٣٣٢ والدر المصون ٤ / ٦٩٩ ، وقال به أبو البقاء هو والأول ١١٢٠ أيضا.
(٨) شاذه قراءة ، قياسية عربية ولم تعز في البحر ٧ / ٤٦٨ ولا في الكشاف ٣ / ٤٣٠.
(٩) وانظر التبيان ١١٢٠.