يعني بنصب «بادي». وهذا هو مذهب الأخفش ، إلا أن الزمخشري منع من ذلك ، قال ـ رحمهالله ـ : فإن قلت : هل يجوز أن يكون «كلّا» حالا ، قد عمل فيه «فيها»؟ قلت : لا ؛ لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمة كما يعمل في الظرف متقدما ، تقول : كلّ يوم لك ثوب ، ولا تقول : قائما في الدّار زيد (١) ، قال أبو حيان : وهذا الذي منعه أجازه الأخفش ، إذا توسعت الحال ، نحو : زيد قائما في الدار ، وزيد قائما عندك. والمثال الذي ذكره ليس مطابقا لما في الآية ؛ لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم وهو اسم إن ، وتوسطت الحال إذا قلنا : إنها حال ، وتأخر العامل فيها. وأما تمثيله بقوله : «ولا تقول قائما في الدّار زيد» (٢) فقد تأخر فيه المسند والمسند إليه ، وقد ذكر بعضهم : أن المنع في ذلك إجماع من النحاة (٣).
قال شهاب الدين : الزمخشري منعه صحيح ؛ لأنه ماش على مذهب الجمهور وأما تمثيله بما ذكر فلا يضره (٤) ؛ لأنه في محل المنع ، فعدم تجويزه صحيح (٥).
الثالث : أن «كلّا» بدل من «نا» في «إنّا» ؛ لأن «كلّا» قد وليت العوامل فكأنه قيل : إنّ كلّا فيها وإذا كانوا قد تأولوا قوله :
٤٣٤٤ ـ ......... |
|
... حولا أكتعا(٦) |
و «حولا أجمعا» على البدل مع تصرف أكتع وأجمع ؛ فلأن ذلك في «كلّ» أولى وأجدى. وأيضا فإن المشهور تعريف «كلّ» حال قطعها ، حكي في الكثير الفاشي : مررت بكلّ قائما وببعض جالسا ، وعزاه بعضهم لسيبويه (٧).
وتنكير «كل» ونصبها حالا في غاية الشذوذ ، نحو : «مررت بهم كلّا» أي جميعا.
فإن قيل : فيه بدل الكل من الكل في ضمير الحاضر وهو لا يجوز.
__________________
(١) الكشاف ٤ / ٤٣١.
(٢ و ٣) أبو حيان في البحر ٧ / ٤٦٩.
(٢ و ٣) أبو حيان في البحر ٧ / ٤٦٩.
(٤) في الدر المصون : يضيره.
(٥) المرجع السابق ٤ / ٧٠٢.
(٦) رجز مجهول قائله والبيت بتمامه :
يا ليتني كنت صبيا مرضعا |
|
تحملني الذّلفاء حولا أكتعا |
والذلفاء اسم امرأة. واستشهد بالبيت على توكيد «حول» وهو نكرة بأكتع ، وشرط تأكيد أكتع أن يكون مسبوقا بأجمع ، وتوكيد النكرة منعها البصريون ، وأجازها الأخفش لأن النكرة محدودة وصححه ابن مالك وقد أعرب البصريون هذا على البدل أو النعت أو المجيء على الضرورة الشعرية وانظر الإنصاف ٤٥١ ـ ٤٥٦ وشرح الأشموني على الألفية ٣ / ٧٨ ، والهمع ٢ / ١٢٤ ، وابن يعيش ٤ / ٥٤ وابن عقيل ١٣١ ، وابن الناظم ١٩٨ ، وتوضيح المقاصد ٣ / ١٦٧.
(٧) قال : «هذا باب ما ينتصب خبره لأنه معرفة ، وهي معرفة لا توصف ولا تكون وصفا ، وذلك قولك : مررت بكلّ قائما ، ومررت ببعض قائما ، وببعض جالسا». الكتاب ٢ / ١١٤. ثم قال : «وصار معرفة لأنه مضاف إلى معرفة كأنك قلت : مررت بكلهم وببعضهم ، ولكنك حذفت ذلك المضاف إليه». الكتاب ٢ / ١١٥.