الأول : أن فيه الفزع والانقطاع إلى الله تعالى.
الثاني : أن هذا أيضا وارد على الكل لأنه إن علم أنه يفعله فلا بدّ وأن يفعله ، فلا فائدة في الدعاء وإن علم أنه لا يفعله فإنه البتة لا يفعله ، فلا فائدة في الدعاء أيضا ، فكل ما يقولونه ههنا فهو جوابنا (١).
قال ابن الخطيب : وعندي وجه آخر وهو أنه قال : ادعوني أستجب لكم ، وكل من دعا الله وفي قلبه ذرّة من الاعتماد على ماله وجاهه وأصدقائه واجتهاده فهو في الحقيقة ما دعا الله إلا باللسان وأما القلب فإنه يعول في تحصيل ذلك المطلوب على غير الله ، فهذا اللسان ما دعا ربه ، أما إذا دعا في وقت لا يكون القلب فيه ملتفتا إلى غير الله فالظاهر أن يستجاب له (٢).
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) وهذا إحسان عظيم من الله تعالى حيث ذكر الوعيد الشديد على ترك الدعاء. وروى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «من لم يدع الله غضب الله عليه» (٣).
فإن قيل : إنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال حكاية عن ربه عزوجل : «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين» (٤).
فهذا يقتضي أن ترك الدعاء أفضل ، وهذه الآية تدل على أن ترك الدعاء يوجب الوعيد الشديد فكيف الجمع بينهما؟
فالجواب : لا شك أن العقل إذا كان مستغرقا في الثناء كان ذلك أفضل في الدعاء لأن الدعاء طلب الجنة ، والاستغراق في معرفة جلال الله أفضل من طلب الجنة ، أما إذا لم يحصل الاستغراق كان الاشتغال بالدّعاء أولى ؛ لأن الدعاء يشتمل على معرفة الربوبية (٥) وذلّ العبودية.
قوله : «سيدخلون» قرأ ابن كثير وأبو جعفر «سيدخلون» بضم الياء وفتح الخاء ، والآخرون بفتح الياء وضم الخاء (٦) «داخرين» صاغرين ذليلين.
قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ
__________________
(١) أورده الرازي في تفسيره ٢٧ / ٨١.
(٢) ذكره في المرجع السابق.
(٣) أخرجه البغوي في تفسيره عن أبي صالح عن أبي هريرة. البغوي ٦ / ١٠١ ، كما ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره عن مرّة عن أبي صالح عن أبي هريرة. ابن كثير في تفسيره القرآن العظيم ٤ / ٨٥.
(٤) الرازي ٢٧ / ٨١.
(٥) المرجع السابق.
(٦) من الأربع فوق العشر المتواترة انظرها في الإتحاف ٣٧٩ ، والوجهان عن أبي بكر عن طريق يحيى بن آدم.