وقال بعضهم (١) : إن لفظة «في» هناك أليق ؛ لأن سفينة نوح على ما قيل كانت مطبقة عليهم وهي محيطة بهم كالوعاء ، وأما غيرها فالاستعلاء فيه واضح ، لأن الناس على ظهرها.
قوله : (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) دلائل قدرته ، وقوله : (فَأَيَّ آياتِ اللهِ) منصوب ب «تنكرون» وقدم وجوبا لأن له صدر الكلام. قال مكيّ : ولو كان مع الفعل هاء لكان الاختيار الرفع في أي بخلاف ألف الاستفهام تدخل على الاسم ، وبعدها فعل واقع على ضمير الاسم فالاختيار (٢) النصب نحو قولك : أزيدا ضربته ، هذا مذهب سيبويه فرق بين الألف وبين (٣) «أي» يعني أنك إذا قلت : أيّهم ضربت؟ كان الاختيار الرفع ؛ لأنه لا يحوج إلى إضمار مع أن الاستفهام موجود وفي : «أزيدا ضربته» يختار النصب لأجل الاستفهام فكان مقتضاه اختيار النصب أيضا فيما إذا كان الاستفهام بنفس الاسم ، والفرق عسر (٤).
وقال الزمخشري : (فَأَيَّ آياتِ) جاءت على اللغة المستفيضة وقولك : فأية آيات الله قليلة ؛ لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات ، نحو : حمار ، وحمارة غريب ، وهو في أي أغرب (لإبهامه (٥)) قال أبو حيان (رحمة (٦) الله عليه) : ومن قلة تأنيث أيّ قوله :
٤٣٥١ ـ بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة |
|
ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب (٧) |
وقوله : وهو في «أي» أغرب إن عنى «أيّا» على الإطلاق فليس بصحيح ؛ لأن المستفيض في النّداء أن يؤنث في نداء المؤنث كقوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) [الفجر : ٢٧] ولا نعلم أحدا ذكر تذكيرها فيه فيقول : يأيّها المرأة ، إلا صاحب (٨) البديع في النّحو. وإن
__________________
(١) هو السمين في الدر المصون ٤ / ٧١٢ قال : «ويظهر أن في هناك أليق .... الخ».
(٢) في المشكل : «هذا يختار فيها».
(٣) نقله في مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٦٨ ، وقد قال سيبويه في الكتاب : «وسألته (يقصد أبا الخطّاب) عن أيّهم ، لم لم يقولوا : أيهم مررت به ، فقال : لأن أيهم هو حرف استفهام لا تدخل عليه الألف ، وإنما تركت الألف استغناء فصار بمنزلة الابتداء ، ألا ترى أن حدّ الكلام أن تؤخر الفعل ، فتقول : أيهم رأيت كما تفعل ذلك بالألف فهي نفسها بمنزلة الابتداء». الكتاب ١ / ١٢٦.
(٤) هذا شرح وتعقيب السمين على كلام مكي في الدر ٤ / ٧١٣.
(٥) سقطت من أوانظر الكشاف ٣ / ٤٣٩.
(٦) زيادة من أالأصل.
(٧) من الطويل للكميت بن زيد في مدح آل البيت. والشاهد : «أم بأية سنة» حيث أنّث «أيّا» في الاستفهام وهو قليل كما قال أبو حيان وهي مضافة أيضا ، وقد ورد عن الأخفش جواز التأنيث لا على وجه القلة. وانظر البحر المحيط ٧ / ٤٧٨ ، وحاشية يس ١ / ٢٦١ وشرح الكافية للرضي ٢ / ٢٧٩ ، والخزانة ٩ / ١٣٧ ، والهمع ١ / ١٥٢ وتمهيد القواعد ٢ / ٢٨٩ ، ٢٩٨ وتوضيح المقاصد ١ / ٣٨٨ والأشموني ٢ / ٣٥ وديوانه ١٦.
(٨) هو محمد بن مسعود الغزني ، ذكره ابن هشام في المغني وسماه ابن الزّكي وقال : خالف النحاة وأكثر أبو حيان من النقل عنه ، مات سنة ٤٢١ ه وانظر كشف الظنون ١ / ٢٢٤. وقال صاحب البديع : ـ