ما يدل على وجود الإله القادر الحكيم ، وإلى ذكر ما يصلح أن يعد إنعاما على العباد. قال الزجاج : «الأنعام الإبل (١) (خاصة)» ، وقال القاضي : هي الأزواج الثمانية (٢). قوله : «منها ... ومنها».
«من» الأولى يجوز أن تكون للتّبعيض (٣) ، إذ ليس كلّها تركب ، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية إذ المراد بالأنعام شيء خاصّ هي الإبل ، قال الزجاج : «لأنه لم يعهد المركوب غيرها»(٤).
وأما الثانية فكالأولى. وقال ابن عطية : هي لبيان الجنس قال : لأن الخيل منها ولا تؤكل(٥).
فإن قيل : ما السّبب في إدخال لام العوض على قوله : «لتركبوا» وعلى قوله : «لتبلغوا» ولم يدخل على البواقي؟.
فالجواب : قال الزمخشري : الركوب في الحج والغزو إما أن يكون واجبا أو مندوبا ، وأيضا ركوبها لأجل حاجتهم ، وهي الانتقال من بلد إلى بلد آخر لطلب علم أو إقامة دين يكون إما واجبا أو مندوبا فهذان القسمان أغراض دينية ، فلا جرم أدخل عليها حرف التعليل نظيره قوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) فأدخل حرف التعليل على «الرّكوب» ولم يدخله على الزّينة (٦).
قوله (لِتَرْكَبُوا مِنْها) أي بعضها (وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ) أي في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) لحمل أثقالكم من بلد إلى بلد. قوله : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) أي على الإبل في البرّ ، وعلى السفن في البحر.
فإن قيل : لم لم يقل : في الفلك ، كما قال : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)؟.
فالجواب : كلمة على للاستعلاء ، فالشيء الذي يوضع على الفلك كما صح أن يقال : وضع فيه صح أن يقال : وضع عليه ولما صح الوجهان كانت لفظة «على» أولى حتى يتم المزاوجة في قوله : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)(٧).
__________________
(١) معاني القرآن وإعرابه له ٤ / ٣٧٨.
(٢) الرازي ٢٧ / ٨٩.
(٣) ذكره أبو حيان في البحر المحيط ٧ / ٤٧٨.
(٤) لم أجد في معاني القرآن له هذا ، بل نقله عنه القرطبي في الجامع ١٥ / ٣٣٣٥ وأبو حيان في البحر ٧ / ٤٧٨.
(٥) البحر المحيط المرجع السابق وفيه أيض ا «لأن الجمل منها يؤكل».
(٦) المعنى من الكشاف لجار الله الزمخشري ٣ / ٤٣٨ ، ٤٣٩ ، وباللفظ من تفسير الإمام الرازي ٢٧ / ٨٩ والآية ٨ من النحل.
(٧) الزمخشري في الكشاف المرجع السابق والرازي السابق أيضا. والآية ٤٠ من هود.