الصفة ، فكونه تعالى رحمن (١) رحيما صفتان دالتان على كمال الرحمة ، فالتنزيل المضاف إلى هاتين الصفتين لا بدّ وأن يكون دالا على أعظم وجوه الرحمة والنعمة والأمر كذلك ؛ لأن الخلق في هذا العالم كالمرضى والمحتاجين ، والقرآن مشتمل على كل ما يحتاج إليه المرضى من الأدوية ، وعلى ما يحتاج إليه الأصحاء من الأغذية ، فكان أعظم النعم من الله تعالى على أهل هذا العالم إنزال القرآن عليهم.
وثالثها : كونه كتابا ، وتقدم أن هذا الاسم مشتق من الكتب وهو الجمع ، فسمي كتابا لأنه جمع فيه علم الأولين والآخرين.
ورابعها : قوله فصلت آياته ، أي ميزت وجعلت تفاصيل في معان مختلفة فبعضها وصف ذات الله ، وصفات التنزيه والتقديس وشرح كمال علمه وقدرته ورحمته وعجائب أصول خلقه من السماوات والكواكب وتعاقب الليل والنهار ، وعجائب أحوال النبات والحيوان وبعضها في المواعظ والنصائح ، وبعضها في تهذيب الأخلاق ورياضة النفس ، وبعضها في قصص الأنبياء وتواريخ الماضين ، وبالجملة فمن أنصف علم أنه ليس في بدء الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم المختلفة مثل ما في القرآن.
وخامسها : قوله : قرآنا وقد سبق توجيه هذا الاسم.
وسادسها : قوله عربيا أي إنما نزل بلغة العرب ، ويؤكده قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) [إبراهيم : ٥].
وسابعها : قوله : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي جعلناه قرآنا لأجل أنا أنزلناه على قوم عرب بلغتهم ليفهموا منه المراد (٢).
وثامنها وتاسعها : قوله (بَشِيراً وَنَذِيراً) يجوز أن يكونا نعتين (٣) لقرآنا ، وأن يكونا حالين ؛ إما من كتاب وإما من آياته (٤) ، وإما من الضمير المنوي في قرآنا (٥). وقرأ زيد بن علي برفعهما (٦) على النعت لكتاب ، أو على خبر ابتداء مضمر ، أي هو بشير ونذير ، ومعناه بشيرا للمطيعين بالثواب ونذيرا للمجرمين بالعقاب.
قال ابن الخطيب : والحق أن القرآن بشارة ونذارة إلا أنه أطلق اسم الفاعل عليه للتنبيه على كونه كاملا في هذه الصفة كما يقال : شعر شاعر وكلام قائل (٧).
__________________
(١) في النسختين والرازي رحمانا منونا.
(٢) هذه الأوجه ذكرها الرازي في تفسيره ٢٧ / ٩٤.
(٣) ذكر هذا الأخفش في المعاني ٦٨٠ وأبو حيان في البحر ٧ / ٤٨٣.
(٤) قال بذلك ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٣٦.
(٥) السمين في الدر ٤ / ٧١٧.
(٦) من الشواذ غير المتواتر لم ينسبها الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤١ ونسبها أبو حيان في البحر ٧ / ٤٨٣ وانظر القرطبي ١٥ / ٣٣٨ وشواذ القرآن ٢١٣.
(٧) الرازي ٢٧ / ٩٥.