كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض ، قيل للملك الموكل به : اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو اكفته إليّ (١).
قوله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) الآية قرأ ابن كثير أينكم لتكفرون ـ بهمزة وبعدها ياء محققة ساكنة بلا مد ـ والباقون ممدودا مشدد النون (٢). وهو استفهام بمعنى الإنكار ، أي كيف تكفرون بالله ، وكيف يجوز جعل هذه الأنداد الخسيسة أندادا لله مع أنه تعالى خلق الأرض في يومين ، وهما يوم الأحد ويوم الاثنين ، وتمم بقية مصالحها في يومين آخرين وخلق السماوات بأسرها في يومين آخرين ، فمن قدر على خلق هذه الأشياء العظيمة كيف يعقل الكفر به ، وإنكار قدرته على الحشر والنّشر (٣)؟
فإن قيل : من استدل بشيء على إثبات شيء فذلك الشيء المستدل به يجب أن يكون مسلما عند الخصم حتى يصح الاستدلال به ، وكونه تعالى خالقا للأرض في يومين أمر لا يمكن إثباته بالعقل المحض إنا يمكن إثباته بالسمع ووحي الأنبياء والكفار كانوا منازعين في الوحي والنبوة ، فلا يعقل تقرير المقدمة عليهم ، وإذا امتنع تقريرها عليهم امتنع الاستدلال بها على فساد مذاهبهم.
فالجواب : إثبات كون السماوات والأرض مخلوقة بالعقل ممكن ، وإذا أمكن ذلك أمكن الاستدلال به على وجود الإله القادر القاهر العظيم. وحينئذ يقال : الكافر كيف يعقل التسوية بين الإله الموصوف بهذه القدرة القادرة (٤) وبين الصّنم الذي هو جماد لا يضرّ ولا ينفع في المعبودية (٥) والإلهية؟ بقي أن يقال : فحينئذ لا يبقى في الاستدلال بكونه تعالى خالقا للأرض في يومين أثر. قال ابن الخطيب : بل له أثر في هذا الباب ، وذلك أن التورية مشتملة على هذا المعنى ، فكان ذلك في غاية الشهرة بين أهل الكتاب فكفار مكة كانوا يعتقدون في أهل الكتاب أنهم أصحاب العلوم ، والظاهر أنهم كانوا قد سمعوا من أهل الكتاب هذه المعاني فاعتقدوا كونها حقا ، وإذا كان الأمر كذلك حسن أن يقال لهم : إن الإله الموصوف بالقدرة على خلق هذه الأشياء العظيمة في هذه المدة اللطيفة كيف يليق بالعقل جعل الخشب المنجور والحجر المنحوت شريكا له في المعبودية والإلهية؟! فبهذا التقدير حسن الاستدلال (٦).
قوله : (وَتَجْعَلُونَ لَهُ) عطف على «لتكفرون» (٧) فهو داخل في حيز الاستفهام وقوله: (ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي ذلك الموجود الذي علمت من صفته وقدرته أن خلق
__________________
(١) أورده أحمد في المسند ٢ / ٢٠٣ كما أخرجه البغوي في المرجع السابق عن ابن عمر أيضا.
(٢) الإتحاف ٣٨٠ والنشر ٢ / ٣٦٦ وهي قراءة عشرية متواترة.
(٣) قاله الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٠٣.
(٤) في ب القاهرة.
(٥) في ب العبودية.
(٦) الرازي ٢٧ / ١٠٢.
(٧) في ب أتكفرون بالهمزة والتصحيح من أ.