ولحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شقّ فالملحد ، هو المنحرف ، ثم اختص في العرف بالمنحرف(١) عن الحق إلى الباطل قال مجاهد : يلحدون في آياتنا بالمكاء والتصدية واللغو واللّغط. وقال قتادة: يكذبون في آياتنا. وقال السدي : يعاندون ويشاقون (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) وهو كقول الملك المهيب : إنّ الذين ينازعون في ملكي أعرفهم فإن ذلك (لا) (٢) يكون تهديدا. ثم قال : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) وهذا استفهام بمعنى التقرير (٣) ، والغرض منه التنبيه على أن الملحدين في الآيات يلقون في النار ، وأن المؤمنين بالآيات يأتون آمنين يوم القيامة. قال المفسرون : المراد حمزة ، وقيل : عثمان ، وقيل : عمار بن ياسر (٤). ثم قال : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) وهذا أمر تهديد (٥) ووعيد أيضا ، (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي عالم بأعمالكم فيجازيكم.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) في خبرها ستة أوجه :
أحدها : أنه مذكور ، وهو قوله (أُولئِكَ يُنادَوْنَ)(٦) وقد سئل بلال بن أبي بردة (٧) عن ذلك في مجلسه فقال : لا أجد لها معادا ، فقال له أبو عمرو بن العلاء : إنه منك لقريب أولئك ينادون (٨). وقد استبعد هذا من وجهين :
أحدهما : كثرة الفواصل.
والثاني : تقدم من يصح الإشارة إليه بقوله : «أولئك» وهو قوله : (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) واسم الإشارة يعود على أقرب مذكور (٩).
والثاني : أنه محذوف لفهم المعنى فقدر (١٠) : معذّبون ، أو مهلكون ، أو معاندون (١١). وقال الكسائي : سد مسده ما تقدم من الكلام قبل «إنّ» وهو قوله : «أفمن
__________________
(١) قاله الرازي في التفسير الكبير ٢٧ / ١٣١ وانظر معنى اللّحد في تفسير الزجاج في معاني القرآن وإعرابه له ٤ / ٣٨٨ واللسان «لحد» ٤٠٠٥.
(٢) زيادة من ألا داعي لها وانظر هذه الأقوال في القرطبي ١٥ / ٣٦٦ ومعالم التنزيل للبغوي ٦ / ١١٣.
(٣) أحد المواضع التي يخرج فيها الاستفهام عن الحقيقة إلى المجاز.
(٤) المرجعين السابقين.
(٥) أحد المواضع التي يخرج فيها الأمر عن الحقيقة إلى المجاز.
(٦) نقله أبو البقاء في التبيان ١١٢٧ وهو رأي ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٤١ ومكي في مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٧٢.
(٧) قاضي البصرة وأميرها والمفوض من قبل خالد القسري كان من أهل الأدب والفصاحة توفي سنة ١٢٠ ه وانظر هامش إنباه الرواة ١ / ٢٤٥.
(٨) انظر هذا بالمعنى من البحر المحيط ٧ / ٥٠٠ وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٧٣٥.
(٩) نقل هذين الاعتراضين أبو حيان في مرجعه السابق عن الحوفي رحمهالله.
(١٠) في ب ويقدر.
(١١) هو قول العكبري في التبيان ١١٢٧.