يلقى في النّار» (١). يعني في الدلالة عليه ، والتقدير : يخلّدون في النار ، وقال البغوي : يجازون بكفرهم (٢). وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن ذلك فقال معناه في التفسير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به (٣) ، فقدر الخبر من جنس الصّلة. وفيه نظر من حيث اتّحاد الخبر والمخبر عنه في المعنى من غير زيادة فائدة ، نحو : سيّد الجارية مالكها (٤).
الثالث : أن (إِنَّ الَّذِينَ) الثانية بدل من (إِنَّ الَّذِينَ) الأولى والمحكوم به على البدل محكوم به على المبدل منه فيلزم أن يكون الخبر (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) وهو منتزع من كلام الزمخشري(٥).
الرابع : أنّ الخير قوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) والعائد محذوف تقديره لا يأتيه الباطل منهم ، نحو : «السّمن منوان بدرهم» أي منوان منه أو يكون «أل» عوضا من الضمير في رأي الكوفيين ، تقديره : «إنّ الّذين كفروا بالذّكر لا يأتيه باطلهم».
الخامس : أن الخبر قوله تعالى : (ما يُقالُ لَكَ) والعائد محذوف أيضا تقديره : إنّ الّذين كفروا بالذّكر ما يقال لك في شأنهم إلّا ما قد قيل للرسل من قبلك. وهذان الوجهان ذهب إليهما أبو حيّان (٦).
والسادس : قال بعض الكوفيين : إنه قوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ) وهذا غير متعقّل (٧).
قوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) جملة حالية (٨) ، وقوله (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) صفة «لكتاب» ، و «تنزيل» خبر مبتدأ محذوف ، أو صفة لكتاب على أنّ «لا يأتيه» معترض أو صفة كما تقدم على رأي من يجوز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح (٩) ، وتقدم تحقيقه
__________________
(١) نقله أبو حيان في المرجع السابق.
(٢) البغوي ٦ / ١١٣.
(٣) نقله أبو الحسن الأخفش في المعاني ٦٨٤ و ٦٨٥.
(٤) البحر المحيط ٧ / ٥٠٠.
(٥) الكشاف ٣ / ٤٥٥ ، فقد قال : فإن قلت : بم اتصل قوله : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ»؟ قلت : هو بدل من قوله : إن الذين يلحدون في آياتنا ، والذكر القرآن ؛ لأنهم كفروا به.
(٦) قال في البحر ٧ / ٥٠٠ و ٥٠١ والذي أذهب إليه أن الخبر مذكور لكنه حذف عائد يعود على اسم إن وذلك في قوله : لا يأتيه الباطل أي الباطل منهم ، أو تكون «أل» عوضا من الضمير على قول الكوفيين الخ ، أو يكون الخبر قوله : «ما يقال لك إلا ما قد قيل».
(٧) لعل بعض الكوفيين المقصود الفراء فقد قرأت في كتابه المعاني ٣ / ١٩ يقال : أين جواب إنه؟ فإن شئت جعلته أولئك ينادون من مكان قريب ، وإن شئت كان في قوله : «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ».
(٨) من الذكر.
(٩) أورد السيوطي ـ رحمهالله ـ في الهمع ما مفاده أن الاسم إذا وصف به بظرف أو مفرد أو مجرور أو جملة فالأولى ترتيب المفرد ثم الظرف والمجرور والجملة ، وقد أوجب ابن عصفور هذا الترتيب غير أنه يرد بنحو قوله تعالى : «كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ» ، وقدم ابن جنيّ الوصف الرافع على الظرف ـ