التأويل لم يختلفوا في كهيعص ، وأخواتها ، لأنها حروف التهجي لا غير (١).
واختلفوا في «حم» فأخرجها بعضهم من حيّز الحروف ، وجعلها فعلا. وقيل : معناه حمّ أي قضي ما هو كائن (٢). روى عكرمة عن ابن عباس ـ (رضي الله (٣) عنهما) ـ أنه قال : «ح» حلمه «م» مجده «ع» علمه ، «س» سناؤه ، «ق» قدرته أقسم الله بها. وقال شهر بن حوشب وعطاء بن أبي رباح : «ح» حرب يعزّ فيها الذليل ويذلّ فيها العزيز من قريش «م» ملك يتحول من قوم إلى قوم «ع» عدوّ لقريش يقصدهم «س» سبي يكون فيهم «ق» قدرة الله النافذة في خلقه ؛ وروي عن ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ أنه قال : ليس من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحيت إليه حم عسق فلذلك قال : يوحى إليك وإلى الّذين من قبلك وعلى هذا فقوله (اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) تبيين للفاعل كأنه قال : من يوحي؟ فقيل : الله العزيز الحكيم (٤) كما سيأتي. وقرأ ابن عباس وابن مسعود حم سق (٥).
قوله : (كَذلِكَ يُوحِي) القراء على يوحي بالياء من أسفل مبنيّا للفاعل ، وهو الله تعالى ، والعزيز الحكيم نعتان ، والكاف منصوبة المحل (٦) إما نعتا لمصدر ، أو حالا من ضميره ، أي يوحي إيحاء مثل ذلك الإيحاء.
وقرأ ابن كثير ـ وتروى عن أبي عمرو ـ يوحى ـ بفتح الحاء مبنيا للمجهول (٧) ـ وفي القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه :
أحدها : ضمير مستتر يعود على كذلك ، لأنه مبتدأ ، والتقدير مثل ذلك الإيحاء يوحى هو إليك. «فمثل ذلك» مبتدأ ، و (يُوحِي إِلَيْكَ) خبره.
الثاني : أن القائم مقام الفاعل «إليك» والكاف منصوبة المحل على الوجهين المتقدمين.
الثالث : أن القائم مقامه الجملة من قوله (اللهُ الْعَزِيزُ) أي يوحى إليك هذا اللفظ (٨). وأصول البصريين لا تساعد عليه (٩) ؛ لأن الجملة لا تكون فاعلة ولا قائمة
__________________
(١) البغوي : ٦ / ١١٦.
(٢) حكاه القرطبي عن القشيري المرجع السابق.
(٣) زيادة من أ.
(٤) ذكر هذه الأقوال القرطبي في مرجعه السابق والبغوي في معالم التنزيل في المرجع السابق أيضا.
(٥) من القراءة الشاذة غير المتواترة ذكرها الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٥٩ والقرطبي في الجامع ١٦ / ١ و ٢ وابن خالويه في المختصر ١٣٤.
(٦) انظر التبيان ١١٣٠.
(٧) السبعة ٥٨٠ والإتحاف ٣٨٢ ومعاني القرآن للفراء ٣ / ٢١ وهي قراءة متواترة.
(٨) أخذ المؤلف كل هذا من التبيان لأبي البقاء ١١٣٠.
(٩) في ب إليه. وقد اختلف في الإسناد إلى الجملة على مذاهب ، أصحها : المنع فلا يكون فاعلا ، ولا نائبا عنه ، والثاني : الجواز ، لوروده في قوله تعالى : «ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ» فأجازوا : يعجبني يقوم زيد ، وظهر لي أقام زيد أم عمرو ، وأجيب : بأن الفاعل في الآية ضمير البداء ـ