الثالث : قال الفارسي (١) ـ ونقله الزمخشري (٢) عن الزجاج ـ إن النصب على إضمار «إن» ؛ لأن قبلها جزاء تقول : ما تصنع أصنع ، وأكرمك وإن شئت : وأكرمك على : وأنا أكرمك ، وإن شئت : وأكرمك جزما.
قال الزمخشري : وفيه نظر ؛ لما أورده سيبويه في كتابه قال : واعلم أنّ النّصب بالواو والفاء في قوله : إن تأتني آتك ، وأعطيك ضعيف ، وهو نحو من قوله :
٤٣٨٦ ـ ......... |
|
وألحق بالحجاز فأستريحا (٣) |
فهذا (لا) (٤) يجوز ؛ لأنه ليس بحدّ الكلام ولا وجه ، إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا ؛ لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل ، فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه (٥). قال الزمخشري : ولا يجوز أن تحصل القراءة المستفيضة على وجة ليس بحدّ الكلام ولا وجهه ، ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه. وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة (٦).
الرابع : أن ينتصب عطفا على تعليل محذوف تقديره : لينتقم منهم ويعلم الذين ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن ومنه : (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) [مريم : ٢١] (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى) [الجاثية : ٢٢] قاله الزمخشري (٧). قال أبو حيان : ويبعد تقديره : لينتقم منهم لأنه مرتب على الشرط إهلاك قوم ونجاة قوم فلا يحسن «لينتقم منهم» وأما الآيتان فيمكن أن تكون اللام متعلقة بفعل محذوف تقديره «ولنجعله آية للنّاس فعلنا ذلك ، ولتجزى كلّ نفس فعلنا ذلك» وهو كثيرا (ما) (٨) يقدر هذا الفعل مع هذه اللام إذا لم يكن فعل يتعلق به (٩). قال شهاب الدين : بل يحسن تقدير : لينتقم ؛ لأنه يعود في المعنى على إهلاك قوم المترتب على الشرط (١٠).
وأما الجزم فقال الزمخشري :
__________________
(١) الحجة ٧ / ٩٩ بلدية.
(٢) الكشاف ٣ / ٤٧٢.
(٣) عجز بيت من الوافر للمغيرة بن حبناء صدره :
سأترك منزلي لبني تميم |
|
............. |
وفي المقتضب لأبي العباس : وألحق بالعراق ، وشاهده : نصب الفعل أستريح بعد الفاء في غير جواب الأمر أو النهي وشبههما وذلك لا يكون إلا في ضرورة فهو ضعيف كما قال سيبويه وانظر ابن يعيش ١ / ٢٧٩ ، والخزانة ٨ / ٥٢٢ والكتاب ٣ / ٣٩ و ٩٢ والأشموني ٣ / ٣٠٥. والهمع ١ / ٧٧ و ٢ / ١٠ و ١٦ و ٧٣ والمقتضب ٢ / ٢٢ والإفصاح ١٨٤.
(٤) سقطت من ب.
(٥) الكتاب ٢ / ٣٤٢.
(٦) الكشاف ٣ / ٤٧٢.
(٧) الكشاف السابق.
(٨) لفظ «ما» سقط من ب.
(٩) انظر البحر المحيط ٧ / ٥٢١.
(١٠) الدر المصون ٤ / ٧٦٠.