مشرق الشمس ولكنه مغرب القمر. وأما الجانب المسمّى بالمغرب فإنه مشرق القمر ولكنه مغرب الشمس ، وبهذا التقدير يصح تسمية المشرق والمغرب بالمشرقين. قال : «ولعل هذا الوجه أقرب إلى مطابقة اللفظ من سائر الوجوه» (١). وهذا ليس بشيء ، فإن ظهور القمر من المغرب ما كان لكونه أشرق من المغرب إنما كان ظهورها لغيبوبة شعاع الشّمس عنه ، وإنما كان إشراقه وظهوره من المشرق الحقيقي ولكنه كان مختفيا بشعاع الشمس.
قوله : (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) والمخصوص بالذم محذوف أي أنت. قال أبو سعيد الخدري : «إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير به إلى النار» (٢).
قوله : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ) في فاعله قولان :
أحدهما : أنه ملفوظ به وهو «أنّكم» وما في خبرها التقدير : ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب بالتأسّي كما ينفعكم الاشتراك في مصائب الدنيا فيتأسى المصاب بمثله (٣).
ومنه قول الخنساء :
٤٤٠٦ ـ ولولا كثرة الباكين حولي |
|
على موتاهم لقتلت نفسي |
وما يبكون مثل أخي ولكن |
|
أعزّي النّفس عنهم بالتأسّي (٤) |
والثاني : أنه مضمر ، فقدره بعضهم ضمير التمني ، المدلول عليه بقوله : (يا لَيْتَ بَيْنِي) أي لن ينفعكم تمنيكم البعد (٥).
وبعضهم : لن ينفعكم اجتماعكم. وبعضهم : ظلمكم ، وجحدكم (٦). وعبارة من عبّر بأن الفاعل محذوف مقصوده الإضمار المذكور لا الحذف ؛ إذ الفاعل لا يحذف إلا في مواضع ، ليس هذا منها (٧) وعلى هذا الوجه يكون قوله : «أنكم» تعليل ، أي لأنّكم ،
__________________
(١) قاله الرازي في التفسير الكبير ٢٧ / ٢١٣.
(٢) القرطبي ١٦ / ٩١.
(٣) قاله أبو حيان معنى في بحره ٨ / ١٧ والسمين في الدر لفظا ٤ / ٧٨٥.
(٤) من تمام الوافر لها وهي تماضر بنت عمرو بن الشريد ، ترثي أخاها صخرا. والشاهد : في كلمة التأسي فإن معنى التأسي إتباع صاحب المصيبة بمثله من الناس أصحاب المصائب الأخرى. وانظر ديوانها (٨٥) والبحر المحيط ٨ / ١٧ ، والدر المصون ٤ / ٧٨٥ ، والخصائص ٢ / ١٧٥ ، والكشاف ٣ / ٤٨٩ ، وشرح شواهده ٤٣١ ، والقرطبي ١٦ / ٩١ ، والسراج المنير ٣ / ٥٦٤.
(٥) ذكره العكبري في التبيان ١١٣٩ ؛ فعلى هذا يكون أنكم بمعنى لأنكم.
(٦) وانظر هذه الأقوال جميعا في الكشاف ٣ / ٤٨٩ ، والبحر المحيط ٨ / ١٧.
(٧) الأليق والأدق عند النحاة إضمار الفاعل لا حذفه ، فلم يقل بحذفه إلا القليل منهم الإمام الكسائيّ ومن المواضع التي يجب تقدير الفاعل فيها :
الأوّل : أن يكون مقدرا مع عامله مثل محمدا في جواب من أحببت؟.
الثاني : فاعل المصدر إذا لم يكن ملفوظا به نحو : أو إطعام في يوم.