فحذف الخافض ، فجرى في محلها الخلاف ، أهو نصب أم جر؟ ويؤيد إضمار الفاعل لا أنه هو إنكم قراءة إنكم بالكسر فإنه استئناف مفيد للتعليل.
قوله : (إِذْ ظَلَمْتُمْ) قد استشكل المعربون هذه الآية ، ووجهه هو أن قوله (اليوم) ظرف حالي و «إذ» ظرف ماض ، و «ينفعكم» مستقبل ، لاقترانه بلن ، التي لنفي المستقبل ، والظاهر أنه عامل في الظّرفين ، وكيف يعمل الحدث المستقبل الذي لم يقع بعد في ظرف حاضر أو ماض؟! هذا ما لا يجوز. وأجيب : عن إعماله في الظرف على سبيل قربه منه ، لأنّ الحال قريب من الاستقبال ، فيجوز في ذلك ، قال تعالى : (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ) [الجن : ٩] ، وقال الشاعر :
٤٤٠٧ ـ ......... |
|
سأسعى الآن إذ بلغت إناها (١) |
وهو إقناعي ، وإلا فالمستقبل يستحيل وقوعه في الحال عقلا. وأما قوله : «إذ» ففيها للناس أوجه كثيرة : قال ابن جني : راجعت أبا علي فيها مرارا ، وآخر ما حصلت منه أن الدنيا والآخرة متصلتان ، وهما سواء في حكم الله تعالى وعلمه. «فإذ» بدل من «اليوم» حتى كأنه مستقبل ، أو كأن اليوم ماض (٢).
__________________
ـ الثالث : فعل المفردة المؤنثة وجماعة الذكور إذا أكد بالنون ، نحو : لتضربنّ فإن الضمير قد حذف لالتقاء الساكنين ياء المخاطبة وواو الجماعة والنون الأولى الساكنة وهذا الحذف عارض فهو واجب التقدير.
الرابع : أن يكون مدلولا عليه بالفحوى أو اللفظ مثل (ثُمَّ بَدا لَهُمْ) ومثل : «ولا يشرب الخمر حين يشربها».
الخامس : الفاعل المضمر وجوبا مع أفعل ، ونفعل ، وتفعل.
السادس : الفاعل المضمر في نحو : نعم رجلا زيد.
في كل هذه المواضع ينبغي أن القول : إن الفاعل مضمر ؛ لأن الكلام لا يستقيم إلا به ، فهو النية وإن لم يكن متلفظا به. أما إذا حذف الفاعل لغرض من الأغراض كتعينه أو الخوف عليه أو منه وأقيم المفعول مقامه نائبا في الأحكام اللفظية وصار بهذا التقديم عمدة في اللفظ بعد أن كان فضلة فلا شك في أن الفاعل في مثل هذه المواضع محذوف ، لأنه لم يتعلق بذكره في غرض ما ، ولم يكن معتمد الفائدة والحال هذه. وانظر الهمع للإمام السيوطي ١ / ١٦٠ وشرح الأشموني على الألفية ٢ / ٤٤ بتصرف.
(١) عجز بيت من تمام الوافر ، لعنترة العبسي ، صدره :
فإنّي لست خاذلكم ولكن
وشاهده : إعمال الفعل وهو «أسعى» في الظرف وهو الآن لقربه منه فإن الحال قريب من الاستقبال فيجوز في ذلك حينئذ. وانظر البحر المحيط ٨ / ١٧ والدر المصون ٤ / ٧٨٦ والديوان ٧٧.
(٢) باللفظ من الدر المصون ٤ / ٧٨٦ وانظر هذا كله فيه وفي البحر المحيط المرجع السابق. وقد ألمح ابن جني إلى ذلك في خصائصه حيث قال : صار الوقتان على تباينهما وتنائيهما كالموقتين المقترنين الدانيين المتلاصقين ، نحو : أحسنت إليه إذ شكرني ، وأعطيته حين سألني وهذا أمر استقر بيني وبين أبي عليّ رحمهالله مع المباحثة. وانظر الخصائص ٣ / ٢٢٤ و ٢٥٥ و ٢ / ١٧٢.