حصول الآيات في السماوات والأرض ظاهر دال على وجود الله تعالى ، وقدرته مثل مقاديرها وكيفياتها وحركاتها ، وأيضا الشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار. وقد تقدم الكلام في كيفية دلالتها على وجود الإله القادر الفاعل المختار.
وقوله : (لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) يقتضي كون هذه مختصة بالمؤمنين. وقالت المعتزلة : إنها آيات للمؤمن والكافر ، إلا أنه لما انتفع بها المؤمن دون الكافر أضيف كونها آيات للمؤمنين ، ونظيره قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] فإنه هدى لكلّ الناس ، كما قال تعالى : (هُدىً لِلنَّاسِ) [البقرة : ١٨٥] إلّا أنه لما انتفع به المؤمن خاصة قيل : هدى للمتقين (١).
قوله تعالى : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) فيه وجهان :
أظهرهما : أن قوله : (وَما يَبُثُّ) معطوف على «خلقكم» المجرور بفي والتقدير : وفيما يبثّ (٢).
الثاني : أنه معطوف على الضمير المخفوض (٣) بالخلق وذلك على مذهب من يرى العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار (٤). واستقبحه الزمخشري وإن أكّد ، نحو : مررت بك أنت وزيد (٥) يشير بذلك إلى مذهب الجرميّ (٦) ، فإنه يقول : إن أكّد جاز ، وإلّا فلا. فقوله مذهب ثالث (٧).
قوله : (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) و (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). وقرأ آيات بالكسر في الموضعين الأخوان (٨) والباقون برفعهما ولا خلاف في كسر الأولى ؛ لأنها اسم «إن» فأما (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) بالكسر فيجوز فيها وجهان :
أحدهما : أنها معطوفة على اسم «إن» والخبر قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ) كأنه قيل : وإنّ في خلقكم وما يبثّ من دابّة آيات (٩).
__________________
(١) انظر الرازي ٢٧ / ٢٥٨.
(٢) الكشاف ٣ / ٥٠٨.
(٣) في ب المعطوف تحريف.
(٤) وهو مذهب الكوفة ويونس وقد احتجوا بقراءة حمزة أحد السبعة يقرأ آية النساء : «وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ» بجرّ الأرحام عطفا على محل الضمير دون إعادة الجار. وقد احتجوا بآيات أخرى وأقوال وأشعار عربية شاهدة لما ذهبوا إليه. وقد رجح مذهب البصريين أناس كثيرون منهم ابن مالك في تسهيله انظر في هذه المسألة الإنصاف المسألة رقم (٦٥) والبحر ٨ / ٤٢ ، والتسهيل ١٧٧ ، والكتاب ٢ / ٣٨٢ و ٣٨٣.
(٥) الكشاف ٣ / ٥٠٨.
(٦) صالح بن إسحاق أبو عمر ، أخذ عن الأخفش الأوسط ، وسمع عن يونس وله فضل كبير في إظهار كتاب سيبويه. توفي سنة ٢٥٠ ه وانظر نزهة الألباء ١٠١ وإنباه الرواة ٢ / ٨٠ ونشأة النحو ٩٢.
(٧) الدر المصون ٤ / ٨٢٣ والهمع ١ / ١٣٩ والبحر المحيط ٨ / ٤٢.
(٨) انظر السبعة ٥٩٥ والاتحاف ٣٨٩ والكشف لمكي ٢ / ٢٦٧.
(٩) الفراء في المعاني ٢ / ٤٥.