والثاني : أن تكون (١) كررت توكيدا «لآيات» الأولى ، ويكون (فِي خَلْقِكُمْ) معطوفا على «السّموات» كرر معه حرف الجر توكيدا. ونظيره أن تقول : إنّ في بيتك زيدا وفي السّوق زيدا فزيد الثاني توكيد للأول كأنك قلت : إنّ زيدا زيدا في بيتك وفي السّوق. وليس في هذا عطف على معمولي عاملين البتة (٢) وقد وهم أبو البقاء فجعلها من ذلك فقال : آيات لقوم يوقنون بكسر الثانية وفيه وجهان :
أحدهما : أن «إن» مضمرة حذفت لدلالة «إن» الأولى عليها ، وليست «آيات» معطوفة على آيات الأولى ، لما فيه من العطف على معمولي عاملين.
والثاني : أن تكون كررت للتأكيد (٣) ، لأنها من لفظ «آيات» الأولى ، وإعرابها كإعرابها كقولك : إنّ بثوبك دما وبثوب زيد دما ، فدم الثاني مكرر ، لأنك مستغن عن ذكره انتهى (٤).
فقوله : وليست معطوفة على «آيات» الأولى لما فيه من العطف على معمولي عاملين وهم أين (٥) معمول العامل الآخر؟ وكأنه توهم أن «في» ساقطة من قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ) أو اختلطت عليه (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) بهذه ، لأن تيك فيها ما يوهم العطف على عاملين(٦). وقد ذكره هو أيضا (٧). وأما الرفع (٨) فمن وجهين أيضا :
أحدهما : أن يكون (فِي خَلْقِكُمْ) خبرا مقدما ، و «آيات» مبتدأ مؤخرا ، وهي جملة معطوفة على جملة مؤكدة بإن.
والثاني : أن تكون معطوفة على «آيات» الأولى اعتبارا بالمحل (٩) عند من يجيز ذلك ، لا سيما عند من يقول : إنه يجوز ذلك بعد الخبر بإجماع (١٠). وأما قوله : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) فقد تقدم أنّ الأخوين يقرآن آيات بالكسر وهي تحتاج إلى إيضاح ، فإن الناس تكلموا فيها كثيرا وخرّجوها على أوجه مختلفة ، وبها استدل على
__________________
(١) يقصد آيات الثانية.
(٢) البيان ٢ / ٣٦٣ ، ٣٦٤.
(٣) في التبيان : أن يكون كرر آيات للتوكيد انظر ١١٥٠.
(٤) المرجع السابق.
(٥) في ب أي تحريف.
(٦) الدر المصون ٤ / ٨٢٤.
(٧) قال في الثانية : وأجاز قوم أن يكون ذلك من باب العطف على عاملين. انظر التبيان السابق.
(٨) رفع آيات الثانية.
(٩) ذكر هذين الوجهين ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٦٣ والسمين في الدر ٤ / ٨٢٤ و ٨٢٥ وقد ذكر الأول فقط أبو البقاء في التبيان ١١٥٠.
(١٠) نسب أبو حيان هذا إلى أبي الحسن الأخفش ولم أعثر عليه في معاني القرآن عند تعرضه لتلك الآية وانظر البحر ٨ / ٤٣ وانظر في تلك المسألة مغني اللبيب ٢ / ٤٧٤ وانظر أيضا البيان ٢ / ٣٦٣ و ٣٦٤ وشرح الكافية للرضي ١ / ٣٢٤ ، ٣٢٥.