ويظاهرها استدل من جوّز ذلك كالأخفش (١). وفي المسألة أربعة مذاهب (٢) ، المنع مطلقا ، وهو مذهب سيبويه ، وجمهور البصريين ، قالوا : لأنه يؤدي إلى إقامة حرف العطف مقام عاملين وهو لا يجوز ؛ لأنه لو جاز في عاملين لجاز في ثلاثة ، ولا قائل به ، ولأن حرف العطف ضعيف ، فلا يقوى أن ينوب عن عاملين ، ولأن القائل يجواز ذلك يستضعفه والأحسن عنده أن لا يجوز ، فلا ينبغي أن يحمل عليه كتاب الله ، ولأنه بمنزلة التّعديتين بمعدّ واحد ، وهو غير جائز (٣).
قال ابن السراج (٤) : العطف على عاملين (٥) خطأ في القياس غير مسموع من العرب ، ثم حمل ما في هذه الآية على التكرار والتأكيد (٦). قال الرماني (٧) : هو كقولك : إنّ في الدّار زيدا والبيت زيدا ، فهو جائز بالإجماع ، وهذا الوجه الذي ذكره ابن السراج حسن (٨) جدا لا يجوز أن يحمل كتاب الله إلا عليه وقد ثبتت القراءة بالكسر ، ولا يعيب فيها في القرآن على وجه. والعطف على عاملين عيب عند من أجازه ومن لم يجزه فقد تناهى في العيب فلا يجوز حمل هذه الآية على ما ذكره ابن السراج دون ما ذهب إليه غيره (٩). قال شهاب الدين : وهذا الحصر منه غير مسلّم ، فإن في الآية تخريجات أخر على ما ذكره ابن السراج ، يجوز الحمل عليها (١٠). وقال الزجاج (١١) ومثله في الشعر :
٤٤٣٤ ـ أكلّ امرىء تحسبين امرءا |
|
ونار توقّد باللّيل نارا (١٢) |
__________________
(١) انظر البيان ٢ / ٣٦٤ والتسهيل ١٧٨ والدر المصون ٣ / ٨٢٦ وإعراب القرآن للنحاس وينظر في تلك المسألة أيضا ٤ / ١٤٠ و ١٤١.
(٢) الهمع ٢ / ١٣٩ والمغني ٤٨٦ و ٤٨٧.
(٣) انظر في هذا كله الدر المصون ٤ / ٨٢٦.
(٤) محمّد بن السريّ أبو بكر ، نشأ ببغداد ، وأخذ عن المبرد وغيره من مؤلفاته كتاب الأصول في النحو وشرح كتاب سيبويه مات سنة ٣١٦ وانظر إنباه الرواة ٣ / ١٤٥ ، ١٤٩.
(٥) هذا تجوز في التعبير والأصح : معمولي عاملين.
(٦) الدر المصون ٤ / ٨٢٦ وإبراز المعاني ٦٨٣.
(٧) أبو الحسن علي بن عيسى ، أخذ عن الزجاج وابن السراج وابن دريد وغيرهم شرح كتاب سيبويه ، وشرح المقتضب للمبرد ، والأصول لابن السراج ، مات سنة ٣٨٤ ه ببغداد انظر نشأة النحو ١٧٢ أو ١٧٣ وإنباه الرواة ٢ / ٢٩٤ ـ ٢٩٦.
(٨) في ب جيّدا.
(٩) انظر إبراز المعاني ٦٨٣ ، والدر المصون ٤ / ٨٢٧.
(١٠) قاله في المرجع السابق.
(١١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٣١.
(١٢) ينسب لأبي دؤاد جويرية بن الحجّاج وإلى عدي بن زيد ، وإلى جارية الحذافي. وهو من المتقارب ، والشاهد : جر «نار» بالعطف على «امرىء» والأصل : وتحسين كلّ نار توقد نارا فيكون من العطف على معمولي عاملين ؛ لأن نار الثانية معطوفة على «امرءا».