الصحة والرزق والكفاية ، بل قد يكون الكافر أرجح حالا من المؤمن ، وإنّما يظهر الفرق بينهم في الممات. وقيل : إنّ قوله (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) مستأنف والمعنى أن محيا المؤمنين ومماتهم سواء وكذلك محيا الكفار ومماتهم سواء أي كل يموت على حسب ما عاش عليه. ثم إنه تعالى صرح بإنكار التسوية (١) فقال : (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي بئس ما يقضون. قال مسروق : قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الدّاريّ ، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله يركع بها ويسجد (بها) ويبكي (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ ...) الآية (٢).
قوله تعالى : (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) لما بين أن المؤمن لا يساوي الكافر في درجات السّعادة أتبعه بالدلائل الظاهرة على صحة هذه الفتوى فقال : (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أي لو لم يوجد البعث لما كان ذلك بالحق بل كان بالباطل لأنه تعالى لو خلق الظالم وسلطه على المظلوم الضعيف ولا ينتقم للمظلوم من الظالم كان ظالما ولو كان ظالما لبطل أنه ما خلق السماوات والأرض إلا بالحق (٣). وتقدم تقريره في سورة يونس.
قوله : «بالحقّ» فيه ثلاثة أوجه إما حال من الفاعل ، أو من المفعول أو الباء للسببية(٤).
قوله : «ولتجزى» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون عطفا على «بالحق» في المعنى ، لأن كلّا منهما سبب فعطف الصلة على مثلها.
الثاني : أنها معطوفة على معلل محذوف ، والتقدير : خلق الله السّموات والأرض ليدل بها على قدرته ولتجزى كل نفس والمعنى أن المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل والرحمة ، وذلك لا يتم إلّا إذا حصل البعث والقيامة ، وحصل التفاوت بين الدّركات والدرجات بين المحقين والمبطلين (٥).
الثالث : أن تكون لام الصيرورة أي وصار الأمر منها من حيث اهتدى بها قوم وضلّ عنها آخرون (٦).
__________________
(١) انظر الرازي السابق.
(٢) القرطبي ١٦ / ١٦٦ ولفظ بها ، ساقط من ب.
(٣) قاله الرازي ٢٧ / ٢٦٨.
(٤) بيان ابن الأنباري ٢ / ٣٦٥ والدر المصون ٤ / ٨٣٨.
(٥) ذكر هذين الوجهين الرازي في تفسيره لفظا ٢٧ / ٢٦٨ نقلا عن الكشاف معنى ٣ / ٥١٢ وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٩ و ٨٣٨.
(٦) نقل هذا الوجه أبو حيان في بحره ٨ / ٤٨ عن ابن عطيه.