قوله : «أفرأيت» بمعنى أخبرني وتقدم حكمها (١) مشروحا ، والمفعول الأوّل من اتخذ والثاني محذوف ، تقديره : بعد غشاوة أيهتدي؟ ودل عليه قوله : (فَمَنْ يَهْدِيهِ). وإنما قدرت بعد غشاوة ، لأجل صلات الموصول (٢). واعلم أنه تعالى عاد إلى شرح أحوال الكفار ، وقبائح طرائقهم فقال : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) قال ابن عباس والحسن وقتادة: وذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه ، فلا يهوى شيئا إلا ركبه ، لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه. وقرىء «آلهته» (٣) هواه ، لأنه كلما مال طبعه إلى شيء اتبعه والمعنى اتخذ معبوده هواه ، فيعبد ما تهواه نفسه. قال سعيد بن جبير : كانت العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة فإذا وجدوا شيئا أحسن من الأول رموه وكسروه وعبدوا الآخر. قال الشعبي : إنما سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه في النار (٤). قوله : (عَلى عِلْمٍ) حال من الجلالة أي كائنا على علم منه بعاقبة أمره أنه أهل لذلك (٥).
وقيل : حال من المفعول ، أي أضله وهو عالم ، وهذا أشنع له. وقرأ الأعرج (٦) : آلهة على الجمع ، وعنه كذلك مضافة لضميره آلهته هواه (٧).
قوله : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) يسمع الهوى وقلبه لم يعقل الهدى وهو المراد من قوله(٨) : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) [البقرة : ٧] وقد تقدم.
قوله : «غشاوة» قرأ الأخوان غشوة بفتح الغين ، وسكون الشين (٩). والأعمش وابن مصرف كذلك إلا أنهما كسرا الغين (١٠). وباقي السبعة غشاوة بكسر (١١) الغين. وابن
__________________
(١) قال الجمل على الجلالين : «استعمال أرأيت في الإخبار مجاز أي أخبروني عن حالتكم العجيبة ووجه المجاز أنه لما كان العلم بالشيء سببا للإخبار عنه أو الإبصار به طريقا إلى الإحاطة به علما وإلى صحة الإخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم أو لطلب الإبصار في طلب الخبر لاشتراكهما في الطلب ففيه مجاز». وانظر حاشية الجمل على الجلالين ٢ / ٢٨.
(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٨ والدر المصون ٤ / ٨٣٩.
(٣) في الرازي آلهته هواه وفي الكشاف آلهة هواه وهي قراءة شاذة. انظر الرازي ٢٧ / ٢٦٨ والكشاف ٣ / ٥١٢.
(٤) انظر القرطبي ١٦ / ١٦٧.
(٥) ذكر الوجه الأول الكشاف ٣ / ٥١٢ والثاني أبو حيّان في البحر ٨ / ٤٩.
(٦) في أالأعمش وفي ب الأعرج وهو الأصح.
(٧) وقد روى هذه القراءة ابن خالويه في المختصر عن أبي جعفر ولم ترو عنه في المتواتر. انظر المختصر ١٣٨ ، وانظر أيضا شواذ القرآن (٢٢١).
(٨) في ب قولهم تحريف.
(٩) هي من القراءات المتواترة وهي قراءة ابن وثّاب أيضا. وانظر السبعة ٥٩٥ ومعاني الفراء ٣ / ٤٨ وحجة ابن خالويه ٢٤٦ ، والكشف لمكي ٢ / ٢٦٩.
(١٠) من القراءات الشاذة انظر مختصر ابن خالويه ١٣٨.
(١١) مختصر ابن خالويه السابق.