عني بهتوني عندك ، فجاءت اليهود فقال لهم النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : أيّ رجل عبد الله فيكم؟ فقالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيّدنا وأعلمنا وابن أعلمنا قال : أفرأيتم (إن أسلم) (١) عبد الله بن سلام؟ فقالوا : أعاذه الله من ذلك. فخرج إليهم عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقالوا : أشرّنا وابن شرّنا وانتقصوه فقال : هذا ما كنت أخاف منه يا رسول الله فقال سعد بن أبي وقّاص : ما كنا نقول ـ وفي رواية ما سمعت النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام وفيه نزلت هذه الآية : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ). وقيل : الشاهد : هو موسى بن عمران ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قال الشعبي : قال مسروق في هذه الآية : والله ما نزلت في عبد الله بن سلام ، لأن آل حم نزلت بمكة ، وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة قبل وفاة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بعامين ، فكيف يمكن حمل هذه الآية المكية على واقعة حدثت في عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بالمدينة؟! وإنما نزلت الآية في محاجّة كانت من رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لقومه. وأجاب (٢) الكلبيّ بأن السورة مكية إلا هذه الآية فإنها مدنية وكانت الآية تنزل فيأمر (٣) رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يضعها في سورة كذا وكذا ، وهذه الآية نزلت بالمدينة وأنّ الله تعالى أمر رسوله بأن يضعها في السورة المكية في هذا الموضع المعين (٤). قال ابن الخطيب : ولقائل أن يقول : إن الحديث الذي رويتم عن عبد الله بن سلام مشكل ؛ لأن ظاهر الحديث يشعر بأنه لما سأل النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن المسائل الثلاث ، فلما أجاب النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بذلك (٥) الجواب آمن (٦) عبد الله بن سلام لأجل أنّ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ذكر تلك الجوابات وهذا بعيد من وجهين :
الأول : أن الإخبار عن أول أشراط الساعة وعن أول طعام يأكله أهل الجنة إخبار عن وقوع شيء من الممكنات ، وما هذا سبيله فإنه لا يعرف كون ذلك الخبر صدقا إلّا إذا عرف أولا كون المخبر صادقا ، فلو عرفنا صدق المخبر يكون ذلك الخبر (٧) صادقا لزم الدور. وهو محال.
الثاني : أنا نعلم بالضرورة أن الجوابات المذكورة عن هذه المسائل لا يبلغ العلم بها إلى حدّ الإعجاز ألبتة بل نقول : الجوابات الباهرة عن المسائل الصعبة لما لم يبلغ (٨) إلى حد الإعجاز.
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من أالأصل.
(٢) في ب فأجاب.
(٣) كذا في النسختين وهو تحريف من الناسخ والأصح فيؤمر للمفعول.
(٤) وانظر في هذا تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٨ / ٩ و ١٠ وانظر في هذا أيضا القرطبي ١٦ / ١٨٨ و ١٨٩ والكشاف للزمخشري ٣ / ٥١٨.
(٥) في ب بهذا الجواب وفي الرازي بتلك الجوابات.
(٦) كذا في النسختين وفي الرازي : من.
(٧) في ب المخبر.
(٨) في ب تبلغ وفي الرازي : لمّا لم يبلغ العلم بها.