والجواب يحتمل أنه جاء في بعض كتب الأنبياء المتقدمين أن رسول آخر الزمان يسأل عن هذه المسائل وهو يجيب عنها بهذه الجوابات وكان عبد الله بن سلام عالما بهذا المعنى ولما سأل النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أجاب بتلك الأجوبة فلا حاجة بنا إلى أن نقول : العلم بهذه الجوابات معجزة والله أعلم(١).
وقيل : المراد بالشاهد التوراة (٢). ومثل القرآن هو التوراة فشهد موسى على التوراة ، ومحمد على الفرقان ، وكل واحد يصدّق الآخر ، لأن التوراة مشتملة على البشارة بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والقرآن مصدق التوراة ثم قال : (فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) فلم تؤمنوا (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وهذا تهديد. وهو قائم مقام الجواب المحذوف ، والتقدير قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به فإنكم لا تكونون مهتدين بل تكونون ضالّين.
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ ...) في سبب النزول وجوه :
الأول : أن كفار مكة قالوا : إن عامّة من يتبع محمدا الفقراء والأرذال مثل عمّار ، وصهيب ، وابن مسعود ولو كان هذا الدين خيرا ما سبقونا إليه هؤلاء (٣).
الثاني : قيل : لما أسلمت جهينة ومزينة ، وأسلم ، وغفار ، قالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع : لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه رعاة البهم (٤).
الثالث : قيل : إنّ أمة لعمر أسلمت وكان عمر يضربها ويقول : لولا أنّي فترت لزدتك ضربا فكان كفار قريش يقولون : لو كان ما يدعونا إليه محمد خيرا ما سبقنا إليه (٥).
الرابع : قيل : كان اليهود يقولون هذا الكلام حين أسلم عبد الله بن سلام (٦) وأصحابه.
قوله : (لِلَّذِينَ آمَنُوا) يجوز أن تكون لام الصلة ، أي لأجلهم ، يعني أن الكفار قالوا : لأجل إيمان الذين آمنوا (٧) ، وأن تكون للتبليغ ولو جروا على مقتضى الخطاب لقالوا : ما سبقتمونا ولكنهم التفتوا فقالوا ما سبقونا (٨). والضمير في «كان» و «إليه» عائدان على القرآن ، أو ما جاء به الرسول أو الرسول.
__________________
(١) الرازي ٢٨ / ١٠.
(٢) القرطبي ١٦ / ١٨٨ وهو رأي مسروق. وانظر البحر المحيط أيضا ٨ / ٥٧ و ٥٨.
(٣) نقله صاحب الكشاف ٣ / ٥١٩.
(٤) حكي عن الكلبي والزّجاج وحكاه القشيري عن ابن عباس انظر القرطبي ١٦ / ١٩٠.
(٥) نقله الزمخشري في كشافه السابق.
(٦) وهو قول اكثر المفسرين فيما نقله القرطبي في مرجعه السابق.
(٧) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٥١٩.
(٨) الرازي ٢٨ / ١١.