الطاعة والعقاب على المعصية. وهو قول ابن أبي ليلى ومالك (١) وتقدم عن ابن عباس أيضا نحو ذلك. قال الضحاك : يدخلون الجنة ، ويأكلون ويشربون ، لأن كل دليل (٢) دل (٢) على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حقّ الجنّ. والفرق بينهما بعيد جدّا (٣) ، وذكر النقاش في تفسيره حديثا أنهم يدخلون الجنة. فقيل : هل يصيبون من نعيمها؟ قال : يلهمهم الله تسبيحه وذكره فيصيبهم من لذته ما يصيب بني آدم من نعيم الجنة. وقال أرطأة بن المنذر : سألت ضمرة بن حبيب هل للجن ثواب؟ قال : نعم وقرأ : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ)(٤). وقال عمر بن العزيز : إن مؤمني الجنّ حول الجنة في ربض (٥) ورحاب ولبس فيها(٦).
قوله : ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض أي لا يعجز الله فيفوته «و (فَلَيْسَ) لهم (مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) أنصار يمنعونه من الله (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ..) اعلم أنه تعالى قرر من أول السورة إلى ههنا أمر التوحيد والنبوة. ثم ذكر ههنا تقرير القادر من تأمل في ذلك علم أن المقصود من القرآن كله تقرير هذه الأصول الثلاثة. واعلم أن المقصود من هذه الآية الدلالة على كونه تعالى قادرا على البعث ، لأنه تعالى أمام الدليل على خلق السماوات والأرض وخلقها أعظم من إعادة هذا الشّخص حيّا بعد أن كان ميّتا ، والقادر على الأكمل لا بدّ وأن يكون قادرا على ما دونه (٧).
قوله : (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ) العامة على سكون العين وفتح الياء مضارع «عيي» بالكسر يعيا ـ بالفتح ـ فلما دخل الجازم حذف الألف. وقرأ الحسن يعي بكسر العين (٨) وسكون الياء. قالوا : وأصلها عيي بالكسر فجعل الكسر فتحة ، على لغة طيّىء فصار «عيا» ، كما قالوا في بقي : بقا. ولما بنى الماضي على «فعل» بالفتح جاء مضارعه على يفعل (٩) بالكسر فصار يعيي مثل يرمي ، فلما دخل الجازم حذف الياء الثانية (١٠) فصار : لم يعي (١١) بعين ساكنة وياء مكسورة ، ثم نقل حركة الياء إلى العين (١٢) فصار اللفظ كما
__________________
(١) والشافعي وانظر القرطبي ١٦ / ٢١٧ و ٢١٨.
(٢) في ب يدل مضارعا.
(٢) في ب يدل مضارعا.
(٣) الرازي ٢٨ / ٣٣.
(٤) من الرحمن عزوجل ٥٦.
(٥) أي حول الجنة فالربض هو ما حول الشيء.
(٦) انظر البغوي في معالم التنزيل.
(٧) بالمعنى من الرازي ٢٨ / ٣٤.
(٨) قراءة شاذة ذكرها أبو حيان في البحر ٨ / ٦٨ والقرطبي في الجامع ١٦ / ٣١٩.
(٩) كرسى يرسي ، وقضى يقضي ، ومشى يمشي .. الخ.
(١٠) فهي المتطرفة والثقل ينشأ منها.
(١١) وهذا إعلال بالحذف.
(١٢) أما هذا فهو إعلال بالنقل فاجتمع في الكلمة إعلالان كما هو واضح.