المصدر ، وقال في الأنفال : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) [الأنفال : ١٢] بإظهار الفعل وترك المصدر؟!.
فالجواب مبني على تقديم مقدّمة ، وهي أن المقصود في بعض الصور قد يكون صدور الفعل من فاعل ويتبعه المصدر ضمنا ؛ إذ لا يمكن أن يفعل فاعل إلا ويقع منه المصدر ، ويدخل في الوجود ، وقد يكون المقصود أولا المصدر ، ولكنه لا يوجد إلا فاعل ، فيطلب منه أن يفعل مثاله من قال : إنّي حلفت أن أخرج من المدينة ، فيقال له : فاخرج صار المقصود صدور الفعل منه والخروج في نفسه غير مقصود الابتعاد (١) ولو أمكن أن يخرج من غير تحقق الخروج منه لما كان عليه أن لا يخرج لكن في ضرورة الخروج أن يخرج (٢). فإذا قال قائل صادق : ضاق بي (٣) المكان بسبب الأعداء فيقال مثلا : الخروج يعني الخروج فاخرج فإن الخروج هو المطلوب ، حتى لو أمكن الخروج من غير فعل منه ، لحصل الغرض لكنه محال فيتبعه الفعل. وإذا عرف هذا فيقال : في الأنفال الحكاية عن الحرب الكائنة ، وهم كانوا فيها والملائكة أنزلوا للنّصرة (و) (٤) من حضر في صفّ القتال ، فصدور الفعل منه مطلوب. وههنا الأمر وارد ليس في وقت القتال ، بدليل قوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ) والمقصود بيان كون المصدر مطلوبا لتقدم المأمور على الفعل قال : (فَضَرْبَ الرِّقابِ). وفي ذلك بيان فائدة أخرى ، وهي أن الله تعالى قال هناك (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) وذلك لأن الوقت وقت القتال فأرشدهم إلى القتل وغيره إن لم يصيبوا المقتل وههنا ليس (٥) وقت القتال. فبين أن المقصود القتل وغرض المسلم ذلك (٦).
قوله : (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) هذه غاية للأمر بضرب الرّقاب ، لا لبيان غاية القتل (٧). وقوله : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) قرأ السّلميّ : فشدّوا ـ بكسر (٨) الشين وهي ضعيفة (٩) جدّا. والوثاق ـ بالفتح وفيه الكسر ـ اسم ما يوثق به والمعنى حتى إذا أثخنتموهم أي بالغتم في القتل وقهرتموهم فشدّوا الوثاق يعني في الأسر حتى لا يفلتوا. والأسر (١٠) يكون بعد المبالغة في القتل كقوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال : ٦٧].
__________________
(١) كذا في النسختين وفي الرازي الانتقاء وهو أقرب.
(٢) في (ب) وإذا بالواو.
(٣) وفيها : في بدل بي.
(٤) زيادة من النسختين معا عن الرازي ففيه : أنزلوا لنصره من حضر.
(٥) كذا هو الأصح من (ب) والرازي ففي (أ) قال وهو خطأ وسهو من الناسخ.
(٦) وانظر الرازي ٢٨ / ٤٤.
(٧) قاله الرازي في مرجعه السابق.
(٨) وهي شاذة ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٤٠ والبحر ٨ / ٧٤.
(٩) نظرا لعدم إتباع حركة العين للام ففيه ثقل من كسر إلى ضم.
(١٠) في (ب) الأمر وهو تحريف.