قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) أي ذلك الضرب بأنهم اتبعوا ما أسخط الله. قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (١) ـ بما كتموا التوراة وكفروا بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكرهوا ما فيه رضوان الله وهو الطاعة والإيمان. وقيل : المراد بما أسخط الله الكفر لأن الإيمان يرضيه لقوله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر : ٧]. وقيل : بما أسخط الله هو تسويل الشيطان.
فإن قيل : هم ما كانوا يكرهون رضوان الله بل كانوا يقولون : إن الذي هم عليه رضوان الله ولا نطلب به إلا رضى الله وكيف (لا) (٢) والمشركون بإشراكهم كانوا يقولون إنا نطلب رضى الله كما قالوا : (لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وقالوا : (فَيَشْفَعُوا لَنا)(٣) [الأعراف : ٥٣].
فالجواب : معناه كرهوا ما فيه رضى الله. وفي قوله : (ما أَسْخَطَ اللهَ) ولم يقل : «ما أرضى الله» لطيفة وهي أن رحمة الله سابقة ، فله رحمة ثانية وهي منشأ الرضوان وغضب الله متأخر ، فهو يكون على ذنب ، فقال «رضوانه» لأنه من وصف ثابت لله سابق. ولم يقل «سخط الله» بل قال «أسخط» إشارة إلى أن السخط ليس ثبوته كثبوت الرضوان ولهذا المعنى قال في اللّعان في حق المرأة : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [النور: ٩] يقال : غضب الله مضافا لأن لعانه قد سبق فظهر الزنا بقوله وإيمانه وقبله لم يكن غضب فرضوان الله أمر يكون منه الفعل وغضب الله أمر يكون من فعله.
قوله : (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) حيث لم يطلبوا رضا الله وإنما طلبوا رضا الشيطان والأصنام (٤). قوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعني المنافقين و «أم» تستدعي جملة أخرى استفهامية (٥) يقال : أزيد في الدّار أم عمرو وإذا كانت منقطعة لا تستدعي ذلك ؛ يقال : إنّ هذا لزيد أم عمرو وكما يقال : بل عمرو (٦). والمفسرون على أنها منقطعة (٧). ويحتمل أن يقال : إنها استفهامية والسابق مفهوم من قوله تعالى : والله يعلم إسرارهم. وكأنه تعالى قال : (أم) (٨) حسب الذين كفروا أن لم يعلم الله إسرارهم أم حسب المنافقون أن لن يظهرها. والكل فاسد (٩) فإنما يعلمها ويظهرها.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) سقط من ب.
(٣) وفي النسختين نقلا عن الرازي ليشفعوا باللام ، والأصح ما أثبت أعلى.
(٤) انظر الرازي المرجع السابق.
(٥) إذا كانت للاستفهام لأن كلمة أم إذا كانت متصلة استفهامية يستدعي سبق جملة أخرى استفهامية.
(٦) انظر الرازي المرجع السابق ٢٨ / ٦٩.
(٧) انظر السابق.
(٨) ساقطة من الرازي ففيه : أحسب.
(٩) كذا في النسختين وفي الرازي : قاصر. وانظر الرازي السابق. أقول : مما يؤيد أن هذه الاستفهامية أن المنقطعة لا تكاد تقع في صدر الكلام فلا يقال ابتداء : بل جاء زيد ولا أم جاء عمرو.