المسلمين في تلك الليلة إلا الكاهن ، والمشاحن ومدمن الخمر وعاقّ والديه والمصرّ على الزنا». الخامسة : أنه تعالى أعطى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في هذه الليلة تمام الشّفاعة وذلك أنه سأل في الليلة الثالثة عشر الشفاعة في أمته فأعطي الثّلث منها ثم سأل الليلة الرابعة عشر فأعطي الثّلثين ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطي جميع الشفاعة إلا من شرد عن الله شراد البعير ، نقله الزمخشري.
فصل
روي أن عطية الحروريّ (١) سأل ابن عباس (رضي الله عنهم) عن قوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) وقوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) كيف يصح ذلك مع أن الله تعالى أنزل القرآن في جميع الأيام؟.
فقال ابن عباس : يا ابن الأسود لو هلكت أنا ووقع في نفسك هذا ، ولم تجد جوابه لهلكت ، نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور في السماء الدنيا ، ثم نزل بعد ذلك في أنواع الوقائع حالا فحالا. قال قتادة وابن زيد : أنزل الله القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب إلى السماء الدنيا ، ثم نزل به جبريل على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ نجوما في عشرين سنة.
قوله : (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) يعني إن الحكمة في إنزال القرآن أن إنذار الخلق لا يتم إلا به.
قوله : «فيها» أي في الليلة المباركة «يفرق» يفصل (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) محكم ومعناه ذو الحكمة ، وذلك لأن تخصيص الله تعالى كل واحد بحالة معينة من الأجل والرزق والسعادة والشقاوة يدل على حكمة بالغة لله عزوجل ، فلما دلت تلك الأقضية على حكمة فاعلها ، وصفت بكونها حكمة ، وهذا إسناد مجازيّ لأن الحكيم صفة صاحب الأمر على الحقيقة ، ووصف الأمر به مجاز. قال ابن عباس : يكتب في أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير ، والشر ، والأرزاق ، والآجال حتى الحجّاج يقال : يحجّ فلان ويحجّ فلان. وقال الحسن ومجاهد وقتادة : يبرم في ليلة القدر في شهر رمضان كل أجل ، وعمل ، وخلق ، ورزق ، وما يكون في تلك السنة. وقال عكرمة : هي ليلة النصف من شعبان يقوم فيها أمر السنة ، وتنسخ الأحياء من الأموات ، فلا يزاد فيهم ، ولا ينقص منهم أحد. قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتّى إنّ الرّجل لينكح ، ويولد له ، ولقد أخرج اسمه في الموتى» (٢). وعن ابن عباس ـ
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) أخرجه ابن زنجويه والدّيلميّ عن أبي هريرة ، وانظر فتح القدير ٤ / ٥٧٢.