مسلمة (١) بن محارب كذلك إلا أنه رفع التاء جعلها خبر ابتداء مضمر ، أي هي منّة (٢). وقرأ أيضا في رواية أخرى بفتح الميم وتشديد النون و «هاء» كناية مضمومة جعله مصدرا مضافا لضمير الله تعالى (٣). ورفعه من وجهين :
أحدهما : بالفاعلية بسخّر ، أي سخّر لكم هذه الأشياء منّه عليكم (٤).
والثاني : أن يكون خبر ابتداء مضمر ، أي هو ، أو ذلك (٥) منّه عليكم إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون.
قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) تقدم نظيره في سورة (٦) إبراهيم ، قال ابن عباس : ـ رضي الله عنهما ـ المراد بالّذين آمنوا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يغفروا للّذين لا يرجون أيّام الله يعني عبد الله بن أبيّ ، وذلك أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر يقال لها : المريسيع فأرسل عبد الله غلامه ليستقي الماء ، فأبطأ عليه ، فلما أتاه ، قال له : ما حسبك؟ فقال (٧) : غلام عمر قعد على طرف البئر ، فما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي ، وقرب أبي بكر ، فقال عبد الله بن أبيّ : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل : سمّن كلبك يأكلك ، فبلغ ذلك عمر ، فاشتمل بسيفه ، يريد التوجه (له) (٨) فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مقاتل : إنّ رجلا من بني غفار شتم عمر بن الخطّاب ـ (رضي الله عنه) (٩) ـ بمكّة ، فهم عمر أن يبطش به ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمره بالعفو والتّجاوز ، وروى ميمون بن مهران أن فنحاص اليهوديّ لما نزل قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [البقرة : ٢٤٥] قال : احتاج ربّ محمّد ، فسمع ذلك عمر ، فاشتمل على سيفه ، وخرج في طلبه فبعث النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إليه فردّه. وقال القرظيّ والسّدّيّ : نزلت في ناس من أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من أهل مكة كانوا في أذى كثير من المشركين قبل أن يؤمروا بالقتال فشكوا ذلك إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأنزل الله هذه الآية ثم نسختها آية القتال (١٠).
__________________
ـ عنه في حروف القرآن مات سنة ١١٣ ه انظر غاية النهاية ٢ / ٤٣١ ، وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٣.
(١) هو مسلمة بن عبد الله بن محارب أبو عبد الله الفهري البصري ، النحوي ، له اختيار في القراءة قرأ عليه شهاب الدين بن شرنفة ، وكان من علماء العربية انظر غاية النهاية ٢ / ٢٩٨.
(٢) البحر المحيط ٨ / ٤٥ وهي قراءة شاذة وأوردها أيضا نقلا عن البحر صاحب الدر المصون ٤ / ٨٣٣.
(٣) المحتسب ٢ / ٢٦٢ والدر المصون المرجع السابق.
(٤) هذا توجيه أبي الفتح في مرجعه السابق.
(٥) هذا توجيه أبي حاتم فيما نقله عنه أيضا ابن جني في المرجع السابق وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٣.
(٦) يقصد قوله : «قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ» من الآية ٣١.
(٧) في ب قال.
(٨) سقط من ب.
(٩) زيادة من أ.
(١٠) السابق.