بالقتال ليدخل المؤمنين ، أو عرف من قرينة الحال أنّ الله اختار المؤمنين (فكأنه تعالى (١) قال : اختار المؤمنين) ليدخلهم جنات (٢).
فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى ذكر في بعض المواضع المؤمنين والمؤمنات وفي بعضها اكتفى بذكر المؤمنين ودخلت المؤمنات فيهم كقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون:١] وقوله : وبشّر المؤمنين بأنّ لهم (مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً))؟
فالجواب : أنه في المواضع التي فيها ما يوهم اختصاص المؤمنين بالخير الموعود به مع مشاركة المؤمنات لهم ذكرهنّ الله صريحا وفي المواضع التي فيها ما يوهم ذلك اكتفى بدخولهن في المؤمنين كقوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) مع أنه علم من قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) [سبأ : ٢٨] العموم ، فلا يوهم خروج المؤمنين عن البشارة. وأما ههنا فلما كان قوله تعالى : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ) متعلّقا بفعل سابق وهو إما الأمر بالقتال أو الصبر فيه ، أو النصرة (بالمؤمنين) (٣) أو الفتح بأيديهم على ما تقدم. فإدخال المؤمنين كان للقتال والمرأة لا تقاتل فلا تدخل الجنّة الموعود بها فصرح الله بذكرهنّ ، وكذا في قوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [الأحزاب : ٣٥] ؛ لأن الموضع ذكر النساء وأحوالهن لقوله : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ وَأَقِمْنَ ... وَآتِينَ ... وَأَطِعْنَ ... وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَ) [الأحزاب : ٣٣ ـ ٣٤] فكان ذكر النساء هنا (ك) (٤) أصلا لكن الرجال لما كان لهم ما للنساء من الأمر العظيم ذكرهم وذكرهن بلفظ مفرد من غير تبعية لما بينا (أنّ الأصل ذكرهن في ذلك الموضع) (٥).
قوله : (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) فيه سؤال وهو أن تكفير السيئات قبل الإدخال فكيف ذكره بعد ذكر الإدخال؟ والجواب من وجهين :
أحدهما : أن الواو لا تقتضي الترتيب.
والثاني : أن تكفير السيئات والمغفرة من توابع كون المكلف من أهل الجنة فقدم الإدخال في الذكر بمعنى أنه من أهل الجنة (٦).
قوله : (وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) «عند الله» متعلق بمحذوف على أنه حال من «فوزا» لأنه صفته في الأصل (٧). وجوز أبو البقاء أن يكون ظرفا لمكان (٨). وفيه خلاف. وأن يكون ظرفا لمحذوف دل عليه الفوز ، أي يفوزون عند الله ولا يتعلق
__________________
(١) ما بين القوسين زيادة من أوسقوط من ب بسبب انتقال النظر.
(٢) بالمعنى من تفسير علامتنا الإمام الرازي ٢٨ / ٨٢.
(٣) زيادة من أ.
(٤) زيادة من أ. ففي ب هنا فقط.
(٥) زيادة من الرازي لتوضيح السياق.
(٦) انظر في هذا كله تفسير الإمام ٢٨ / ٨٢ و ٨٣.
(٧) قدّم وصار حالا. انظر التبيان ١١٦٥.
(٨) أي لمكان الفوز أو لما دلّ عليه الفوز.